رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإثيوبيون الإسرائيليون



اشتباكات، إصابات، واعتقالات. ومنذ مساء الأحد حتى مساء الأربعاء، لم تلتفت وسائل الإعلام الدولية، التى توصف بأنها عريقة ورصينة، إلى تظاهر الإسرائيليين ذوى الأصول الإثيوبية، احتجاجًا على تمييز السلطات هناك ضدهم، إثر مقتل سلمون تيكا (١٨ سنة) على يد شرطى إسرائيلي، لم يكن فى مهمة عمل.
أطرف ما قيل فى تبرير الحادث، هو أن الشرطى أطلق النار باتجاه الساقين، لكن الرصاصة اصطدمت بالإسفلت، وارتدت إلى صدر الضحية. أما أغرب ما حدث مع تصاعد الاشتباكات، الإصابات، والاعتقالات، فكان تعطل خدمة إرسال واستقبال الصور ومقاطع الفيديو عبر منصات «فيسبوك» و«واتساب» و«إنستجرام»، بسبب «إحدى عمليات الصيانة الدورية»، كما قالت الشركة، التى ادعت أن خريطة الأعطال التفاعلية أظهرت أن المشكلة تركزت فى أجزاء من أوروبا والولايات المتحدة، بينما قال الواقع إنها طالت منطقة الشرق الأوسط.
المهم، هو أن وسائل الإعلام الدولية، التى توصف بأنها عريقة ورصينة، حين التفتت مساء الأربعاء، إلى تظاهر الإسرائيليين الإثيوبيين بعد الاشتباكات، الإصابات، والاعتقالات المتصاعدة، كانت كمن يسير على حبل مشدود، ويخشى السقوط لو انحرف يمينًا أو يسارًا. وكلها تقريبًا، نقلت تعازى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، إلى أسرة الشاب وللمجتمع الإثيوبى فى إسرائيل، وإعرابه عن أسفه «للموت المأساوى للشاب». ومطالبته للمتظاهرين بألا يعطلوا الطرق، وتهديده لهم بأنه لن يتسامح فى ذلك لأنهم «فى دولة قانون»، وكذا اعترافه بوجود مشكلات تحتاج إلى حلول، وتأكيده على أن حكومته بذلت قصارى جهدها لكنها لا تزال تحتاج إلى المزيد من العمل!.
بدرجة أقل تم تداول دعوة الرئيس الإسرائيلى رؤوفين ريفلين، إلى وقف العنف وفتح تحقيق فى وفاة تيكا، وتأكيده على التزامه بمنع «الموت التالي، والامتهان التالي». كما تم تداول تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية عن ميكى روزنفيلد، المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية زعم فيها أن المتظاهرين حاولوا اقتحام مبنى الشرطة وألقوا الحجارة والزجاجات وأطلقوا المفرقعات النارية، وأنه «بعد ليلة من الاحتجاجات العنيفة، أصيب ثلاثة من ضباط الشرطة، وكان هناك حوالى ألف شخص عند مركز شرطة كريات حاييم». وبينما زعم المذكور أن الشرطة «لم تلق القبض على أحد»، ذكر بيان صادر عن الشرطة الإسرائيلية نفسها أنها اعتقلت ١٣٦ شخصًا، بزعم أن ١١١ ضابطا أصيبوا بجروح وألقيت عليهم الحجارة والزجاجات والقنابل الحارقة!.
مع مقطع فيديو من دقيقة ونص تقريبًا، كان نصفها تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، نشر الموقع الإلكترونى لهيئة الإذاعة البريطاني، BBC، هذا الخبر مساء الأربعاء: اندلعت اشتباكات بين محتجين إسرائيليين من أصول إثيوبية (الفلاشا) والشرطة بعد مقتل شاب إثيوبى فى حيفا. خرج آلاف الفلاشا وداعمون لهم إلى الطرق بأنحاء البلاد بعد مقتل سولومون تاكا البالغ من العمر ١٨ عاما برصاص شرطي. وقد جرت أعمال شغب، واعتقالات بين المتظاهرين. نقلت إسرائيل آلاف اليهود الإثيوبيين إليها فى رحلات سرية منتصف الثمانينات ومطلع التسعينات ولكنهم يشتكون مما يصفونه بتمييز عنصرى ضدهم. انتهى الخبر، الذى يزيد قليلًا عن ٦٠ كلمة، أعيد نشرها فى تقرير، حمل اتهامات للمتظاهرين بأنهم وأغلقوا الشوارع وأحرقوا إطارات السيارات، مع تصريحات لمتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية، زعم فيها أن الضباط التزموا بضبط النفس فى البداية وسمحوا للمتظاهرين بتعطيل الطرق، لكنهم بدأوا فى التدخل بمجرد إلقاء المحتجين زجاجات حارقة، وإشعال الإطارات القديمة، وإتلاف الممتلكات. وبعد تصريحات نتنياهو، والرئيس الإسرائيلى رؤوفين ريفلين، انتهى التقرير بإشارة، ذات مغزى، إلى قيام متظاهرين، فى يناير الماضي، بإغلاق الطريق السريع فى تل أبيب، «بعد أن أطلق شرطى النار على يهودى من أصول إثيوبية يعانى من اضطرابات عقلية أثناء اندفاع الرجل فى اتجاه الشرطى ملوحا بسكين». لعلك تتذكر أن BBC، تناولت اعتراف التحالف الدولى ضد الإرهاب بـ«مقتل ١٣٠٠ مدنى عن طريق الخطأ فى العراق وسوريا منذ ٢٠١٤»، فى خبر لم يتجاوز ١٠٠ كلمة، اكتفت فيه بإشارة عابرة إلى أن «جماعات مختصة بمراقبة تلك الحرب» قالت إن «آلاف المدنيين قتلوا فى ضربات جوية لمقاتلات التحالف». وعليه، فلن يلومك عاقل أو سوى، لو استدعت ذاكرتك عدد الكلمات أو التقارير التى تناولت فيها وسائل إعلام دولية، توصف بأنها عريقة ورصينة، أو منظمات حقوقية تحت مستوى الشبهات، مشكلة نملة تعثرت فى إحدى حوارى قرية مصرية!... وأخيرًا، لا تزال تظاهرات الإسرائيليين ذوى الأصول الإثيوبية، مستمرة. وتكون واهمًا لو انتظرت اهتمامًا من المنظمات الحقوقية، التى لم يسبق أن التفتت إلى شكاواهم من الرعب الدائم الذى يعيشون فيه، أو إلى استغاثاتهم المتكررة من المضايقات التى يتعرضون لها، أو إلى المواجهات العديدة التى خاضوها، طوال السنوات الماضية، مع السلطات الإسرائيلية، بسبب التمييز العنصري، الذى يقل بالطبع عن ذلك الذى يتعرض له العرب.