رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

برلمانيون يهدّدون القضاء!



التحقيقات لا تزال مستمرة فى القضية، المقيدة برقم ٩٣٠ لسنة ٢٠١٩ حصر نيابة أمن الدولة، المعروفة إعلاميًا بـ«خلية الأمل». ومع استمرار حبس المتهمين على ذمة القضية، قرر النائب العام، الثلاثاء، التحفظ على أموالهم وعلى الشركات والكيانات الاقتصادية الـ١٩ الوارد ذكرها فى القضية.
سبق وأوضحنا أن تحقيقات النيابة قد تنتهى بإحالة المتهمين إلى المحكمة المختصة، أو بحفظ أوراق القضية، لو لم تتوافر أركان الجريمة، أو لعدم كفاية الأدلة، أو لعدم الأهمية، أو لأسباب أخرى. أما قرار التحفظ على الشركات والكيانات الاقتصادية وأموال المتهمين فتنظره، بعد ساعات من كتابة هذه السطور، الدائرة الخامسة بمحكمة جنايات جنوب القاهرة. ومع ذلك، أى مع أن القضية لا تزال قيد التحقيق، فوجئنا ببيان عبثى أو كارثى أصدره عدد من أعضاء مجلس النواب، لم يحترموا فيه الدستور أو القانون أو أنفسهم أو اللائحة الداخلية لمجلسهم الموقر.
أعضاء مجلس النواب، الذين يصفون أنفسهم بـ«تكتل ٢٥-٣٠»، أكدوا فى بيانهم براءة المتهمين، ووصفوا الاتهامات الموجهة لهم بأنها «كاذبة وملفقة وليس لها أى سند ولا دليل»، زاعمين أن إلقاء القبض على عدد منهم جاء نتيجة «مكيدة سخيفة» تم تدبيرها، لكونهم من الأصدقاء المقربين لأحد النواب، ويعملون معه فى مكتب خدمة المواطنين. وقالوا إن «هذه الاتهامات الباطلة» تتزامن مع «إجراءات كفيلة بسد كل المنافذ أمام الجميع للحد الأدنى من حرية التعبير والمشاركة فى العمل السياسى اللازم لتقدم أية أمة». والأكثر كارثية وعبثية مما سبق أن هؤلاء النواب هددوا بأنهم لن يقفوا متفرجين وسيتخذون ما يناسبهم من مواقف!.
من حق هؤلاء الأعضاء، أو غيرهم، بموجب المادة ١٠١ من الدستور، أن يراقبوا أعمال السلطة التنفيذية، أما لو حاولوا «التدخل فى شئون العدالة أو القضايا»، فقالت المادة ١٨٤ إنهم يرتكبون «جريمة لا تسقط بالتقادم». وغير أن المادة ٣٧٠ من لائحة مجلس النواب لا تجيز للعضو أن يأتى أفعالًا داخل المجلس أو خارجه تخالف أحكام الدستور أو القانون، فإن المادة رقم ١٨٧ من قانون العقوبات، تعاقب بالحبس والغرامة كل من نشر «أمورًا من شأنها التأثير فى القضاة الذين يناط بهم الفصل فى دعوى مطروحة أمام أى جهة من جهات القضاء فى البلاد أو فى رجال القضاء أو النيابة أو غيرهم من الموظفين المكلفين بالتحقيق، أو... أو... أو التأثير فى الرأى العام لمصلحة طرف فى الدعوى أو التحقيق أو ضده.
هذا فى العموم، أما بشأن البيان الصادر عما يوصف بـ«تكتل ٢٥-٣٠»، فيمكنك الرجوع أيضًا إلى المادة ٨٦ مكررًا، التى تعاقب بالسجن «كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار، على خلاف أحكام القانون، جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو عصابة، يكون الغرض منها الدعوة بأية وسيلة إلى تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو منع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها». وسبب الرجوع إلى هذه المادة، هو أنه لا يوجد، واقعيًا، شىء أو كيان لهذا الكيان المكون من ١١ أو ١٣ عضوًا، أى ٢٪ من الأعضاء. لأن المادة ٩٦ من لائحة المجلس تشترط أن يضم الائتلاف البرلمانى ٢٥٪ على الأقل من أعضاء المجلس.
صياغة البيان الركيكة أو المرتبكة، قد تجعلك تعتقد أن هجوم الأساتذة النواب انصب على السلطة التنفيذية، كوزارة الداخلية مثلًا، أو غيرها من المؤسسات، ولم يمسس القضاء. وربما تقول أيضًا، إنهم يتحدثون، فى البيان، عن الإجراءات التى سبقت إحالة القضية إلى النيابة. وعلى لا منطقية ذلك، فإننا لن نتوقف عند المادة ٣٦٨ من لائحة المجلس التى توجب على العضو مراعاة الاحترام الواجب لمؤسسات الدولة، بل سنحيلك إلى وسائل وإجراءات الرقابة البرلمانية، المنصوص عليها فى الدستور وفى الباب السابع من اللائحة، والتى تبدأ بتقديم الأسئلة وطلبات الإحاطة وطلب مناقشة موضوع عام لاستيضاح سياسة الحكومة فى شأنه، وصولًا إلى الاستجوابات، ثم سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء أو أحد نوابه أو أحد الوزراء أو نوابهم.
الخلاصة، هى أننا فى دولة ولسنا فى «زريبة». وفى الدولة، أى دولة، لا يوجد عاقل، تحت قبة البرلمان أو فوق المصطبة، يمكنه تهديد القضاء أو مجرد التلويح بذلك. ولا يمكن لبرلمانى أو فكهانى أن يُصدر بيانًا بشأن قضية لا تزال قيد التحقيق، أو منظورة أمام القضاء. كما لا يوجد إنسان سوى، كهربائى أو عجلاتى، يستطيع إثبات أو نفى أى تهمة وجهها مواطن لزميله المواطن. وتلك بديهيات، ليس معقولًا أو مقبولًا أن تغيب عن أعضاء محترمين فى مجلس النواب، أو من المفترض أن يكونوا كذلك.