رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيرة البطل المصرى



رحل عن دنيانا، الإثنين الماضى، بطل مصرى عظيم، جندى من جنودنا البسطاء، ملح الأرض، وسند الأوطان، وأحد أبناء هذا الشعب الصابر الصامد، «محمد محمد عبدالسلام العباسى»، الذى لم تملأ صورته الفضائيات والجرائد، ولا سعى لأن يحدث الناس عن مآثره وبطولاته.
رحل فى صمته النبيل، كما يرحل العظماء بعد أن أدى واجبه على الوجه الأكمل، وبجهده وجهد رفاقه وزملائه، أبناء العمال والفلاحين والطبقات المكافحة والمبدعة، طُرد العدو الصهيونى من أرض مصر الطاهرة، وكان «محمد أفندى العباسى»، كما كان يطلق عليه عارفو فضله، إكبارًا وتبجيلًا، هو أول من نزع راية العار الصهيونية، وداسها بقدمه الطاهرة، ورفع مكانها علم مصر الخفّاق، فوق الضفة الشرقية للقناة، فاستحق أن يُخلّد فى وجدان أمته، وأن تبقى سيرته العطرة عنوانًا لكل الأجيال.
وتشاء الظروف أن أمضى ليلة رحيل البطل «العباسى»، فى أمسية بديعة، وسط زملاء وأصدقاء بالحزب الاشتراكى المصرى، فى سهرة سينمائية استمرت ساعات، خُصصت لتمجيد بطولة أبناء الشعب المصرى البسطاء، من أبناء الشعب العاديين، ومن قادة هذا الوطن المخلصين، ومن جنود القوات المسلحة المصرية، الذين سطروا ملامح العظمة والنبل، من خلال فيلم، لا بد أن نحيى «المركز القومى للسينما» على إنتاجه، أخرجه المُخرج الموهوب، صاحب الرؤية والموقف والانتماء والثقافة، «سميح منسى»، وطرح على مدى زمنه، وشرح، كيف خرج هؤلاء الأبطال الصناديد من رحم هذا الشعب الطيب، وتخلّقوا من تراب هذا الوطن المقدّس: من عصر إيزيس وأوزوريس وحورس، والفلاح الفصيح، ورمسيس وأحمس، وحتى الآن، مع التأكيد على بطولة الرجل العادى، البسيط الذى لا تشى صورته بأى تمايز عن مجاوريه وأبناء حيه أو شارعه، لكنه وقت الشدة يبين عن كائن أسطورى قُدَّ من فولاذ، لا يتردد عن لهفة المظلوم، والدفاع عن الحق، والتصدى لقوى التخريب والإجرام، حتى لو كان ثمن ذلك حياته، تمامًا مثلما فعل الشهيد «محمد عيسى العليمى»، الذى قتلته عصابات المخدرات والبلطجة، لأنه دافع عن مستقبل قريته «شمّة - أشمون»، وهو يرى تُجّار الموت والدمار يفتكون بحياة شبابها، فقاد حركة وسط قريته للتصدّى لهم، لكنهم كمنوا له، وأردوه شهيدًا. لكن البطولة ليست محصورة وحسب فى الاستشهاد من أجل تحرير الوطن من سطوة الأجنبى المحتل، أو المحلى المجرم. فهناك أنواع أخرى من البطولة جسّدها الفيلم من خلال نماذج إيجابية تستحق الاحترام والتعلُّم من سيرتها، مثل السيدة نوال خميس، الخبيرة الزراعية بالفيوم، التى نجحت، بالتعاون مع باحثين نابهين، فى استنبات أنواع من الأرز لا تحتاج إلا لكميات محدودة من المياه، وتعطى إنتاجًا وفيرًا، ولم تبخل أبدًا بفيض خبرتها ومعرفتها، على كل من طلبها، دون مقابل أو منفعة ذاتية، ومثل المفكر الحقيقى، والمثقف العضوى، الأستاذ سمير عبداللطيف «البتانون - منوفية»، الذى آثر البقاء وسط المئات من تلامذته ومحبيه، يزرع الوعى والمعرفة والفهم والثقافة فى وجدانهم، ويثقفهم، ويعلمهم أبجدية محبة الأوطان، وآلية تطويره وتغييره، فى دأبٍ وتواضع، حتى أثمرت ثمارها اليانعة!.
وخارج إطار الفيلم، أود أن أشيد ببطل من هذا الزمان، لا يعرفه إلا مرضاه وطالبو عونه من أبناء محافظة الغربية: الدكتور «محمد مشالى»، طبيب الفقراء، الإنسان، الذى يعمل ليل نهار لخدمة من يحتاج لعلمه ومعرفته، بكشف أجره زهيد «بضعة جنيهات» لا تكاد تغطى إيجار عيادته، التى يعمل بها لأكثر من خمس عشرة ساعة يوميًا، بلا راحة أو عطلة!.
نماذج بطولية لا نهاية لها، من الواجب أن نكرِّمها ونحنى هاماتنا تبجيلًا وتعظيمًا لها، لأنها تنشر الأمل والتفاؤل بالمستقبل، فوطن ينجب مثل هؤلاء لا يمكن إلا أن ينتصر.