رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تركيا.. وقبضة المخبول


لا يترك الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، أى مناسبة إلّا ويثبت أنه مختل عقليًا، أو على الأقل يعانى أمراضًا نفسية، تجعل وجوده فى الحكم، أو على قيد الحياة، خطرًا على المنطقة وما حولها، قبل أن يكون خطرًا على تركيا وشعبها الصديق.
خدعوك فقاموا بتضخيم فوز معارضين فى الانتخابات المحلية، وتجاهلوا أو فاتهم، سهوًا أو جهلًا، أن تركيا تشهد حاليًا إجراءات وممارسات لم تشهدها أكثر الدول قمعًا وتخلفًا، وأنها بتزوير لا شك فيه، انتقلت إلى النظام الرئاسى، بموجب تعديلات دستورية ألغت منصب رئيس الوزراء ومنحت ذلك المخبول صلاحيات تنفيذية غير مسبوقة فى تاريخ الجمهورية التركية. كما تجاهلوا أو فاتهم، أيضًا، أن هامش الديمقراطية، الضئيل الذى كان يتمتع به الأتراك قبل انقلاب ١٥ يوليو ٢٠١٦، المزعوم، فقدوه تمامًا بعد ذلك اليوم، ولم يعد أمامهم أى فرصة «سياسية» لإنقاذ بلدهم من الأزمات المتكررة التى تعيشها داخليًا، أو لفتح صفحة جديدة مع دول العالم.
مئات الصحفيين تم فصلهم أو إجبارهم على الاستقالة، أو صاروا عاطلين بعد إغلاق صحفهم أو قنواتهم التليفزيونية، أو إلغاء البرامج التى يعملون بها. وغير المئات الذين تتم محاكمتهم الآن بسبب مقالات فى صحف، أو تدوينات وتغريدات على شبكات التواصل الاجتماعى، ستجد أن ذلك المخبول قام، منذ 15 يوليو 2016، باعتقال نحو ٢٣5 صحفيًا، بزعم تأييدهم للانقلاب المزعوم، بالإضافة إلى أكثر من 120 آخرين عوقبوا، فى قضايا رأى، بالسجن لمدد تتراوح بين 5 سنوات و45 سنة. وما زالت موجة الاعتقالات والإقالات واستصدار الأحكام مستمرة ضد كل معارضى أردوغان وضد كل مَنْ ينتقدونه تصريحًا أو تلميحًا.
المفصولون، المعتقلون، المسجونون، أو الذين ما زالوا قيد المحاكمة، حالهم أفضل بكثير من آخرين تعرضوا لاعتداءات كادت تودى بحياتهم. وبدا واضحًا من أساليب المعتدين (أو البلطجية)، ومِن تواطؤ السلطات معهم، أنهم أدوات تستخدمها الحكومة التركية فى حملتها الشرسة على وسائل الإعلام التى تعرضت (ولا تزال) لأنماط مختلفة من التضييق، تنتهى عادة بإغلاقها أو بفرض الوصاية عليها والانتقال من صفوف المعارضة إلى قطيع الموالين.
جريدة «حرييت»، أوسع الصحف التركية انتشارًا، كانت محسوبة على المعارضة. وذات يوم، شن المخبول هجومًا على أيدين دوجان، مالك «مجموعة دوجان»، التى تصدر عنها الجريدة واتهمه بأنه «مؤيد للانقلاب» ووصف صحفيى الجريدة بأنهم «دجالون». ولم تمض أسابيع حتى قام مجموعة من البلطجية، ينتمون للحزب الحاكم، بمهاجمة مقر الجريدة الرئيسى وحطموا نوافذها بالعصى، والحجارة، وهو يطلقون صيحات التكبير. وبينما كانت قوات الشرطة تكتفى بالفرجة، قام هؤلاء البلطجية بإنزال علم «مجموعة دوجان» وأحرقوه.
كان بين هؤلاء البلطجية، عبدالرحيم بوينو، نائب الحزب الحاكم عن مدينة إسطنبول، رئيس فرع الشباب فى الحزب، الذى لم ينتظر أن يتهمه أحد، بل اعترف بنفسه فى حسابه على «تويتر»، وبالنص كتب: «تظاهرنا أمام حرييت ضد الأخبار الكاذبة ونحن نتلو آيات من القرآن لأجل شهدائنا». والأكثر من ذلك، هو أنه بعد شهر من ذلك الهجوم، تعرض أحمد هاكان، أحد صحفيى الجريدة لاعتداء، تسبب فى كسر أنفه وعدد من ضلوعه. وبعد ثبوت أن اثنين من المعتدين ينتمون للحزب الحاكم، تم الإفراج عن الجميع. وظلت الاعتداءات على الجريدة، وصحفييها، تتكرر حتى اضطر «دوجان» إلى بيعها لرجل الأعمال دمير أورون، وثيق الصلة بأردوغان. وطبعًا، صارت الجريدة التى كانت محسوبة على المعارضة، مؤيدة بشدة للحزب الحاكم!.
ما حدث لجريدة «حرييت»، وصحفييها، تكرر أيضًا مع ياووز سليم دميرآتس، كاتب العمود فى صحيفة «ينى تشاج»، الذى قام ستة أشخاص بالاعتداء عليه بمضارب البيسبول، فأصيب بجروح خطيرة فى رأسه ووجهه وأنحاء متفرقة من جسده. كما تعرض إدريس أوزول، كاتب العمود فى جريدة «أكدينيز يينى يوزيل»، لاعتداء شبيه، وكان من بين المعتدين سائق تالو بيلجيلى، أحد قيادات حزب الحركة القومية، حليف حزب أردوغان. وأيضًا تعرض أرجين تشيفيك، رئيس تحرير موقع «جوناى خبر»، للضرب المبرح. وكذا تم الهجوم على هاكان دنيزلى، مؤسس جريدة «إيجمان» بالأسلحة البيضاء، وعلى صباح الدين أونكيبار، الصحفى فى موقع «أودا تى فى». والمشترك فى كل تلك الوقائع، هو أن المعتدين (أو البلطجية) كانوا مشمولين بحماية السلطات التركية وتم الإفراج عنهم بعد ساعات من احتجازهم!.
ما سبق كله، ليس أكثر من أمثلة أو شواهد على أن ما حدث فى الانتخابات المحلية، أو انتخابات إسطنبول تحديدًا، قد يكون على الأرجح محاولة لقياس حجم الغضب المكتوم، لبحث إمكانية السيطرة عليه، سواء بمزيد من القمع أو بغيره من الإجراءات الاحترازية التى تضمن بقاء رجب طيب أردوغان فى السلطة إلى أن يموت، أو حتى تطيح به ثورة شعبية أو انقلاب عسكرى.