رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المدد إلهى.. كلمة السر


«لا حول ولا قوة إلا بالله»، تنطلق بها ألسنتنا فى أحاديثنا اليومية مرارًا وتكرارًا، لكن كثيرًا من الناس يغيب عن وعيهم جوهرها ومعناها، وهو أنك تلجأ بها إلى الله ليحول بينك وبين ما يؤذيك ويدفع عنك ما يضرك، تطلب منه العون والنصرة، والنجدة والإغاثة، وتستنقذه مما تخشى وتخاف، تناجيه فلا يتأخر عنك، ويدفع عنك كل ضر تخشاه.
الحقيقة التى يؤمن بها كل مؤمن إيمانًا مطلقًا هى أن الكون كله بما فيه من مخلوقات يتحرك بأمر الله، فإنه لا فاعل فى الكون إلا الله، ولا يكون فى ملك الله إلا ما يريد الله، «ألا له الخلق والأمر»، هو من خلق وهو من يأمر، فلا إله إلا هو، ولا ند له، أو نظير، بيده مقاليد كل شىء يقول للشىء كن فيكون.
هو القوى الذى نلجأ إليه لنحتمى بحماه.. «لا حول ولا قوة إلا بالله».. لا حول عن الشر ولا قوة على الخير إلا بالله.. لا حول عن المعصية ولا قوة على الطاعة إلا بالله.. لا حول عن المعوقات ولا قوة على النجاحات إلا بالله.. لا حول عن كل ما يؤذيك ولا قوة على كل ما ينجيك إلا بالله.
لذلك يقول النبى، صلى الله عليه وسلم: «لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة».. لكنها ليست مجرد ذكر تقوله باللسان، وإنما طريقة حياة تعيشها فى كل وقت وحين.. لا حول ولا قوة إلا بالله طريقة تعامل مع أحداث الحياة.. تحرك فى الحياة بمفهوم لا حول ولا قوة إلا بالله.
لذلك الهدف من ترديد ذكر «لا حول ولا قوة إلا بالله» أن يمتلئ قلبك طوال اليوم بأن الحول والقوة فى الحياة كلها بيد الله وحده، أن تخرج من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته.
معادلات الدنيا صعبة أكبر من حجمك، وأكبر من قدرتك، ولا تستطيع أن تحلها وحدك، أدخل ربك مالك الملك القوى العزيز فى المعادلة، لا تكن وحدك، عش بـ«لا حول ولا قوة إلا بالله».
«لا حول ولا قوة إلا بالله» دعم إلهى.. سند ربانى، فإنك إذا ما أردت أن تفتح أمامك كل أبواب النجاح عليك أن تبذل كل جهدك ثم تخرج من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته.
الذكر تدريب نفسى وروحى حتى تشعر بأنك خرجت من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته، وأنا شخصيًا لى تجربة مع «لا حول ولا قوة إلا بالله»، وسط الذكر وجدتُ نفسى أقول: يا رب أخرجنى من حولى وقوتى إلى حولك وقوتك، فتحركت روحى، فقلت: خرجت من حولى وقوتى إلى حولك وقوتك.
يقول النبى، صلى الله عليه وسلم: «لا حول ولا قوة إلا بالله دواء لمائة داء أدناها: الهم»، كلما ضاقت عليك الدنيا.. وشعرت بالهم والإحباط.. وشعرت بعجزك.. قل: لا حول ولا قوة إلا بالله.. وستخرج من إحباطك وعجزك إلى حول الله وقوته.
توجه إلى الله بضعفك.. بعجزك.. يمدك بحوله وقوته.. عندما تغلق الدنيا أبوابها فى وجهك ليس أمامك إلا أن تقول: «لا حول ولا قوة إلا بالله».. واجه صعابك وتحدياتك بـ«لا حول ولا قوة إلا بالله»، عش مع أحلامك وأمنياتك بــ«لا حول ولا قوة إلا بالله».
استر نفسك عن الاحتياج للناس بـ«لا حول ولا قوة إلا بالله»، امسح الوساوس والظنون السيئة التى بداخلك بـ«لا حول ولا قوة إلا بالله»، ادخل على من تخشى شره من البشر بـ«لا حول ولا قوة إلا بالله»، طمئن قلبك وقوّه، وكن على يقين وثقة بالله دائمًا بـ«لا حول ولا قوة إلا بالله».
النبى فى ذروة اشتداد إيذاء قريش له فى مكة، توفى عمه أبوطالب وهو فى أشد الحاجة له، وبعده بشهر ماتت زوجته السيدة خديجة أحب الناس إليه.. عمه كان سنده فى مكة، وزوجته كانت السند له فى البيت، مات الاثنان فى شهر واحد، ما الحكمة يا رب؟، كأن الله يقول له: من لك الآن يا محمد.. ليس لك إلا الله.. ليس لك إلا حول الله وقوته.
لو فقدت كل من يقف بجانبك فى الحياة اعلم أن الله يقول لك: لم يعد لك إلا أنا.. عش بحول الله وقوته، أرح نفسك من التدبير بعد التخطيط، فما قام الله به عنك لا تقم به لنفسك.. عليك التخطيط وبعدها أرح نفسك من التدبير، فالتدبير لله وحده «يدبر الأمر من السماء إلى الأرض» فلا ترهق نفسك.. عش بـ«لا حول ولا قوة إلا بالله».
نبى الله يونس، عليه السلام، وجد نفسه وحده أمام بلد اسمه «نينوى»، تعداده كان يتراوح بين ٤٠ و٥٠ ألفًا رفضوا عبادة الله، لما كانوا عليه من الجهل والكفر، وما يمارسونه من خرافات وخزعبلات، كانوا يشربون الخمر، ويعبدون الأصنام والأوثان.
لما وجد نفسه عاجزًا عن إقناعهم بالإيمان وترك ما يفعلون، فتركهم وركب سفينة البحر، هو وإن كان مؤمنًا صاحب رسالة، لكنه فى تلك اللحظة لم يضع حول الله وقوته فى المعادلة، نظر إلى حوله هو وقوته هو، فوجدها لا يمكن أن تواجه هذا العنت من قومه.
أراه الله عجائب حوله وقوته فى بطن الحوت الذى ابتلعه بحول الله وقوته، وخرج منه بمعجزة حول الله وقوته، فلما أدرك أن الكون كله بحول الله وقوته، قال الله: «وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ»، هو الشخص نفسه الذى عجز فى البداية عن إقناع قومه بالإيمان بالله، لكن الفرق هنا أنه أدخل ربه فى المعادلة.
عش بحول الله وقوته، فإن «لا حول ولا قوة إلا بالله» تزيل الهم والغم، تفتح لنا أبواب الخير، نستغيث بها من كل مكروه وشر، استغاثة بعزة الله، وبقوته.