رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عملاء.. مومياوات.. ومخابيل


عشية الذكرى السادسة لوفاتها، أعلن عدد من مومياوات جماعة «الإخوان»، أو موتاها، عن تبنيهم توجهًا جديدًا فى الفترة المقبلة، على خلفية ما وصفوه بـ«الواقع الجديد» بعد وفاة رئيسهم المعزول محمد مرسى، و«بعد مراجعات داخلية متعددة». غير أنك لو قرأت البيان بهدوء ستجده يحمل إقرارًا ضمنيًا من مومياوات الجماعة بالهزيمة وبفشل مشروعهم، ومحاولة شبه يائسة للحفاظ على ما تبقى من الحلفاء (المركوبين)، واستمالة آخرين، بزعم التفرقة بين «العمل السياسى العام.. والمنافسة الحزبية على السلطة»!.
قيل إن مؤسسى جماعة الإخوان تعاونوا مع المخابرات البريطانية وغيرها، لتحقيق أطماعهم السياسية التى لم تكن فقط الوصول إلى السلطة فى مصر، بل إعادة «دولة الخلافة». غير أن الثابت، هو أن بريطانيا هى التى أسست الجماعة لخلق جيل جديد من العملاء تضمن بهم الحفاظ على نفوذها «الإمبراطورى»، وتوفير بديل لأى تحديات قد تطرأ على الساحة السياسية، وتهدد مصالحها. وهو بالفعل ما تحقق، وصارت الجماعة أداة تستخدمها بريطانيا، وغيرها من الدول، لإثارة الفوضى فى منطقة الشرق الأوسط، سعيًا منها لتبوُّء مكانة ليست لها، على حساب أمن وسلامة المنطقة. ولعلك تتذكر أننا قلنا مرارًا إن الشك فى ذكائك واجب لو اعتقدت أن «المعتقد» فقط هو الذى يحرك الإرهابيين، وتجاهلت الدور الذى تلعبه مؤسسات وأجهزة مخابرات دول.
معروف أن تلك الأجهزة، أجهزة مخابرات الدول، لا تتعامل مع الواقع أو مع الأحداث الجارية، وإنما تخطط للمستقبل وتضع استراتيجيات بعيدة المدى. ولو رجعت إلى كتاب «رهينة فى قبضة الخمينى»، Hostage to Khomeini، الصادر سنة 1981، ستجد الصحفيين الأمريكيين روبرت دريفوس، Robert Dreyfuss، وثيرى لومارك، Thierry LeMarc، يكشفان كيف تواطأ الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر مع بريطانيا لمساعدة الخمينى فى السطو على الثورة الإيرانية بمساعدة عدد من قادة جماعة الإخوان.
تحت عنوان «الإخوان المسلمون: مكيدة بريطانيا ضد الإسلام» شرح دريفوس ولومارك كيف اعتمدت بريطانيا على تلك الجماعة وغيرها من الجماعات الدينية الضالة، لضمان سيطرتها على مستعمراتها فى المنطقة. وبمعلومات غزيرة، كشف الكتاب عن انخراط تلك الجماعة فى تجارة المخدرات والدعارة وغسل الأموال، محذرًا من المصير الأسود الذى ينتظر العالم بسبب تمددها وانتشار فروعها فى كل أنحاء العالم.
الكاتب البريطانى مارك كيرتس، Mark Curtis، تناول أيضًا فى كتابه «العلاقات السرية: تآمر بريطانيا مع الأصولية الإسلامية»، Secret Affairs: Britain›s Collusion with Radical Islam، الصادر سنة 2010، العلاقات التاريخية بين الإخوان وبريطانيا، من واقع وثائق بريطانية تم رفع السرية عنها فى ذلك الوقت، وأوضح أن دور الجماعة كان إفشال المنطقة بإدخالها فى معارك سياسية وحزبية طاحنة ودوامة من الفوضى اللانهائية.
هم، إذن، مجرد لقطاء، صنعتهم قوى الشر، لتستخدمهم فى السيطرة على دول المنطقة. وغير بريطانيا والولايات المتحدة، لم تتوقف تركيا وقطر عن دعم تلك الجماعة وغيرها من التنظيمات الإرهابية بالمال والسلاح، طوال السنوات الماضية، قبل أن تصبح الدولتان، أو الدولة وشبه الدولة، ملجأ للإرهابيين الفارين منها. ولم يكن دعم الإرهاب غير جزء من صفقات أرادت بها تركيا «وإيران»، قيادة المنطقة العربية، عبر تلك الجماعات. أما العائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة، فتوهمت أنها يمكن أن تلعب دورًا قياديًا أو محوريًا فى المنطقة، متجاهلة قواعد الجغرافيا والفيزياء والسياسة وواقع العلاقات الدولية.
نعود إلى بيان اللقطاء أو المومياوات، أو بيان الهزيمة، الذى جاء قبل ساعات من الذكرى السادسة لثورة 30 يونيو، التى أرسل فيها المصريون جماعة الإخوان إلى قبرها، وقاموا بإسقاط قادتها أو غلمانها عن حكم مصر، وأسقطوا معهم مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، الذى حاولت ثلاث إدارات أمريكية تحقيقه، بدءًا من إدارة كلينتون التى رفعت شعارات نشر قيم الديمقراطية والليبرالية، ثم إدارة باراك أوباما التى رعت، ساندت، وموّلت ما يوصف بـ«الربيع العربى»، وبينهما إدارة جورج بوش الابن، التى أطلعت رجب طيب أردوغان، على مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، خلال زيارته الولايات المتحدة فى يناير 2004. ولعلك تتذكر أننا سبق أن أوضحنا كيف كان رئيس تركيا الحالى، رئيس وزرائها السابق، المخبول طوال الوقت، أحد مَنْ أعطوا انطباعًا للإدارة الأمريكية بأن فضاء منطقة الشرق الأوسط يمكن تشكيله على أى وجه، وبأن الدول العربية لم يعد أمامها غير رفع الرايات البيضاء.
الخلاصة، هى أن قوى الشر، صنعت تلك الجماعة، لا رحمها الله، وحاولت استخدامها لفرض «أو لضمان استمرار» سيطرتها على المنطقة. ولما تلقت تلك القوى هزيمة قاسية، بوفاة صنيعتها فى 30 يونيو 2013، كان طبيعيًا ألا تتوقف آلتها الدعائية عن النباح، وأن تظهر أعراض مرض السُّعار، وعدد من الأمراض النفسية، على مخبول إسطنبول والعائلة القطرية الضالة.