رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

30 يونيو 2013



مَنْ لم ير الملايين، صباح ذلك اليوم، يملأون ميادين وشوارع مصر، ومَنْ لم يسمع هتاف «يسقط حكم المرشد»، هو- قطعًا- أعمى وأصم. غير أن هناك من حاولوا- وما زالوا- إذابة الفارق الواضح، الواضح جدًا، بين الانقلاب العسكرى، بمعناه العلمى، أو بالمفهوم المتعارف عليه، وبين ثورة شعبية مكتملة الأركان، خرج فيها أكثر من ثلاثين مليون مصرى يطالبون قواتهم المسلحة بأن تقوم بواجبها الوطنى والدستورى، وأن تسترد السلطة للشعب الذى هو مصدر السلطات.
كل شىء، صباح ٣٠ يونيو، كان يقول إن الشعب يقوم بثورة حقيقية، بينما كانت جريدة الـ«جارديان» البريطانية تنقل عن «العياط» أنه يرفض أى مطالب أو مقترحات تتضمن إجراء انتخابات رئاسية جديدة، أو مبكرة، وأنه تعهد بعدم التسامح مع من طالبوا أو اقترحوا ذلك. الأمر الذى دفع الجريدة إلى استنتاج حدوث «صراع قوة فى شوارع القاهرة بين المؤيدين والمعارضين»، بعد أن أشارت إلى أن «العياط» بدا «واثقًا من نفسه وبقائه فى السلطة بشكل كبير». وعند سؤاله عما إذا كان واثقًا من أن الجيش لن يضطر إلى التقدم خطوة للأمام والإمساك بزمام الأمور والتحكم فى دولة أصبحت خارج السيطرة، قال: «أنا واثق للغاية».
عن الإعلام، قال «العياط» إن قنوات الإعلام الخاصة بالغت فى قوة معارضيه، الذين وصفهم جميعًا بالمتعاونين مع «الدولة العميقة وفلول النظام القديم»، واتهمهم باستئجار «البلطجية» للهجوم على مؤيديه. وبالنص قال: «لديهم المال، وهذا المال جنوه من الفساد، واستخدموا هذه الأموال فى دعم النظام القديم وإعادته إلى السلطة، ويدفعونه للبلطجية وبالتالى يحدث العنف». وردًا على سؤال بشأن رفضه انتقاد الشرطة، حتى فى الوقت الذى اشتبكت فيه مع المواطنين فى بورسعيد، قال العياط إن امتداح الشرطة أو الجيش يأتى بشكل عام «هذه المؤسسات جيدة، وبالتالى إذا كانت هناك انتهاكات معينة أو جرائم من أفراد بعينهم، فالقانون سيأخذ مجراه». وكان أبرز ما فى الحوار، الذى قالت الجريدة البريطانية إنه استمر لمدة ساعة. هو أن «العياط» شدد على ثقته فى قيادة الجيش المصرى، وتحديدًا وزير الدفاع «عبدالفتاح السيسى»!.
غير انتزاع السلطة من المستعمر وإنهاء وجوده العسكرى على التراب الوطنى، وغير مقاومتها سياسة الأحلاف والتكتلات الاستعمارية، كان الإنجاز الأهم لـ«ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢» هو محاولة إنهاء سيطرة المستعمر على الاقتصاد، بدءًا بـ«تأميم» قناة السويس، فـ«تمصير» الشركات والأصول الأجنبية، فـ«تأميم» بنك الإصدار (الأهلى) وبنك مصر، لتوجيه رأس المال المحلى ضمن برنامج وطنى للتصنيع. وفى مرحلة تالية، قامت بـ«تأميم» (وأحيانًا مصادرة) أسهم ورءوس أموال، فأصبحت كل البنوك وشركات التأمين والهياكل الرئيسية للإنتاج والصناعات الثقيلة والمتوسطة والتعدينية وكل الاستيراد وثلاثة أرباع التصدير فى يد الدولة، بما يعنى ذهاب رأس المال (النقدى، التجارى، والصناعى) إلى الدولة، أى التحول إلى حالة رأسمالية الدولة الوطنية.
مع الفارق، قامت ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ولا زالت تقوم بما يشبه ذلك، وطوال الفترة الممتدة بين الثورتين، ظلّ شعب مصر، هو سند مصر، الذى يحميها ويحافظ عليها، ويرفع شأنها. ولا يزال هو «سند وطنه وسند أمته العربية فى الحق والسلام والبناء والتعمير لا فى الهدم والتخريب والتآمر». بعد تجاهل أو إسقاط ما حدث بعد «١٥ مايو ١٩٧١»، وبعد تجاوز يوم ٢٥ يناير ٢٠١١ بما سبقه من كوارث وما لحق به من أخطاء، ما زلنا نحاول تداركها إلى اليوم. وقد تتضح الصورة بدرجة أكبر، مع ما تشهده المنطقة العربية من تهديدات وتحديات، وجودية ومصيرية، تنذر بخرابها، أو تضعها على الأقل تحت مظلة أو «ضرس» قوى الشر التى اعتادت نهب ثرواتها، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء قاموا بالتآمر ودعموا تنظيمات إرهابية وطائفية.
اليوم، وبعد مرور ست سنوات على ثورتنا المجيدة، يونيو ٢٠١٣، ظهرت وقائع كثيرة وشواهد أكثر تؤكد أننا نجونا بفضل شعبنا العظيم وقواتنا المسلحة الباسلة، من مصير مظلم وأكثر سوادًا من السواد. كما ظهر أيضًا ما يؤكد أن مصر استعادت مكانتها فى إقليمها، قارتها والعالم، وحاولت وتحاول قطع الحبل السرى الذى لا يزال يربط بعض دول المنطقة والقارة، بالاستعمار القديم أو الحالى.
فوق كل ذلك، أثبتت ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ أنه لم يعد بإمكان دول المنطقة أن تواجه التهديدات أو التحديات، الوجودية والمصيرية، أو الخروج من تحت مظلة قوى الشر، دون توافر الإرادة السياسية الجماعية، التى كثيرًا ما طالبت ونادت بها مصر. خاصة، بعد اتضاح (أو افتضاح) ما حدث ويحدث فى سوريا، ليبيا، العراق، واليمن، بفعل هذه القوى أو عبر وكلائها.