رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ورشة البحرين.. وماذا بعد؟!


قرار مجلس الأمن رقم 242، الصادر فى 22 نوفمبر 1967، نصّ على مبدأ «الأرض مقابل السلام». وبتخريجة «السلام من أجل الازدهار»، استضافت العاصمة البحرينية المنامة، يومى الثلاثاء والأربعاء، تلك «الورشة» التى بدأت وانتهت دون أن نرى أى إشارة على تحقيقها لأى شىء. ولا نعرف على أى أساس أو بأى منطق زعم جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكى وكبير مستشاريه، أن الورشة حققت «نجاحًا هائلًا»!. كما لا نعرف ما أسعده أو أدهشه فى تأكيد غالبية مَن حضروا الورشة على أن التحول الاقتصادى مرهون بالاستقرار السياسى؟!.
الاستقرار السياسى، طبعًا وقطعًا، هو الركيزة الأساسية والضرورية لأى نشاط اقتصادى فى المنطقة، وكل المناطق. وبغير هذا الاستقرار، لن يحدث أى تحول أو تغير أو أى نشاط من الأساس. وعليه، فبدون اتفاق الفلسطينيين والإسرائيليين على الشق السياسى، الذى لم يظهر بعد، سيظل المجهول هو مصير الجانب الاقتصادى من الخطة الأمريكية للسلام، المعروفة باسم «صفقة القرن». وربما لهذا السبب، البديهى والمنطقى، بدأت «ورشة البحرين» وانتهت، دون أن نخرج منها إلا بكلام عائم، مع معادلتين مرتبكتين وضعهما «كوشنر»، بتأكيده، أولًا، على أن «التوافق حول مسار اقتصادى شرط مسبق وضرورى لحل المسائل السياسية». ثم بتوضيحه أو تلويحه، ثانيًا، بأن «النمو الاقتصادى والازدهار غير ممكنين بدون حل سياسى دائم وعادل للنزاع، يضمن أمن إسرائيل ويحترم كرامة الشعب الفلسطينى».
المعادلتان، اللتان وضعهما صهر الرئيس الأمريكى، تشبهان إلى حد كبير معضلة البيضة والفرخة، أيهما سبقت الأخرى؟! مع محاولة اللعب بالبيضة والحجر، أو بالعصا والجزرة. ومع أن المذكور نفى أن تكون الجزرة الأمريكية «رشوة»، إلا أنه لوّح بأن أى تسوية سياسية مقبلة ستكون «بين مبادرة السلام العربية» والإسرائيليين، مفترضًا وجوب تقديم تنازلات من الجانبين. وهو الافتراض الذى يصطدم بتأكيد السلطة الفلسطينية تمسكها بالمبادرة العربية، الذى لا نعتقد أن دولة عربية، ومصر تحديدًا، ستقبل أى تنازلات بشأنه. بالضبط كما أن حق اللاجئين الفلسطينيين فى العودة إلى ديارهم، غير قابل للتفاوض، ليس فقط استنادًا إلى القرار الأممى رقم 194، ولكن أيضًا لأن قضيتهم هى جوهر القضية الفلسطينية.
من العاصمة اللبنانية بيروت، تم الإعلان عن خطة أو مبادرة السلام العربية، فى مارس 2002، التى كان أبرز بنودها انسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل 5 يونيو 1967، والسماح بإقامة دولة فلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة، وإيجاد «حل عادل» لقضية اللاجئين مقابل اعتراف الدول العربية وتطبيع كامل علاقاتها مع ما توصف بـ«دولة إسرائيل»، لكن الأخيرة أعلنت رفضها تلك المبادرة، التى أقرتها كل القمم العربية والإسلامية، اللاحقة.
مهندس الخطة الأمريكية الفعلى، كما سبق أن أشرنا، هو ديفيد فريدمان، المستوطن الإسرائيلى، السفير الأمريكى لدى تل أبيب. وربما استغل جهل «كوشنر» والذين معه، بالتاريخ وقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولى. أو قد يكون نصحهم بعدم الالتفات إلّا لقرارات وقوانين «الأمر الواقع» الذى فرضه الاحتلال على الأرض بالقوة. وفى الحالتين، فإنك ستتشكك فى الأهلية السياسية لصهر الرئيس الأمريكى، أو فى قواه العقلية، حين تجده يبرر تجميد المساعدات الأمريكية لفلسطين، بقوله: «اتخذنا هذا القرار لأن الفلسطينيين علقوا المحادثات معنا وأهانوا بلدنا».. «هناك الكثير من دول العالم ستكون سعيدة بالحصول على المساعدات، وستتصرف بشكل أنسب»!.
فى الحوار الذى نشرته، جريدة «الشرق الأوسط» السعودية، الخميس، سُئل «كوشنر» عن تجميد الإدارة الأمريكية لتمويل الـ«أنروا» التى كانت تدعم برامج شبيهة بتلك التى تقترحها الخطة الجديدة. فأجاب بأنهم نظروا «إلى جميع البرامج التى تم إطلاقها خلال السنوات الـ25 الماضية»، ووجدوا «الكثير من الأمثلة لبرامج سيئة للغاية، التى كانت مسرفة وغير فعالة، وفاسدة». ولا تفسير لهذا الكلام غير جهل المذكور بالتاريخ أو فشله فى الحساب. إذ إن الجمعية العامة للأمم المتحدة أنشأت وكالة غوث اللاجئين «الأونروا» سنة 1949، وظلت الوكالة تقوم بمهامها، طوال نصف القرن الماضى، قبل أن تعلن إدارة ترامب عن اعتقادها بعدم جدواها، لأسباب مختلفة تمامًا عن تلك التى ذكرها أو زعمها كوشنر!.
.. وتبقى الإشارة إلى أننا مع بداية انعقاد «ورشة البحرين»، قطعنا بأن أحدًا لن يتمكن من تمرير أى شىء لن يوافق عليه الفلسطينيون، ولا يضمن تحقيق كل حقوقهم المشروعة. وبانتهاء الورشة إلى «لا شىء»، يعود من شاركوا فيها إلى بلادهم، وكأن شيئًا لم يكن، إلى أن يتم الإعلان عن الجانب السياسى من الخطة، سواء بعد نوفمبر المقبل، أو بعد عمر طويل!.