رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبو تريكة ليس وحده


بقيادة «المعلم» حسن شحاتة، وهو قطعًا معلم الكرة المصرية، لاعبًا ومدربًا، لعب منتخبنا الوطني 96 مباراة، منذ أكتوبر 2004 إلى يونيو 2011، فاز في 61 منها وتعادل في 17 وأحرز 190 هدفًا، وفاز بكأس الأمم الإفريقية ثلاث مرات على التوالي. وقفز منتخبنا الوطني إلى المركز العاشر في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لشهر فبراير 2010، وهو أفضل ترتيب يحققه منتخب إفريقي بعد منتخب نيجيريا صاحب المركز الخامس سنة 1994، ثم تقدم منتخبنا المصري في تصنيف شهر يوليو 2010 إلى المركز التاسع.
لن تكون منصفًا لو أرجعت هذه المنجزات، أو تلك الأرقام، إلى «المعلم» وحده وتجاهلت مائة لاعب، خاض بهم المباريات. كما لن تكون منصفًا أيضًا لو تركت اللاعبين المائة، واحتفيت بواحد فقط، حتى لو كان اللاعب أحمد حسن، الذي ارتدى قميص منتخبنا الوطني في 184 مباراة، وشارك في بطولة كأس الأمم الإفريقية 8 مرات، فزنا باللقب في أربعة منها، وحصل في اثنتين على جائزة أفضل لاعب. مع ذلك، ومع بداية الدورة الثانية والثلاثين للبطولة، التي تستضيفها مصر، وجدنا مَنْ يحاولون، لأسباب يمكنك استنتاجها، لفت الانتباه إلى لاعب واحد، لم يشارك في تلك البطولة إلا مرتين. بالضبط، كما لم يلتفتوا إلى أكثر من 1500 أدرجتهم معه محكمة جنايات القاهرة في قوائم الإرهابيين!.
واحدة من أكثر النكات انتشارًا، في الولايات المتحدة، وقت حكم جورج بوش الابن، تحكى أنه ووزير خارجيته، كولن باول، كانا يجلسان بمقهى صغير، يخططان لإشعال الحرب العالمية الثالثة، فتوجه نحوهما شاب صغير سحب مقعدًا، جلس عليه وسألهما: ماذا تفعلان في هذا المكان؟ رد بوش: نخطط لحرب عالمية ثالثة، علّق الشاب مندهشًا: حقًا؟! وماذا ستفعلان في تلك الحرب؟ رد بوش: سنقتل عشرة ملايين أفغاني ومتطفل. وبدهشة أكبر، سأل الشاب: ولماذا تقتلان ذلك المتطفل؟!. هنا، التفت بوش إلى باول وقال مبتسمًا: هل سمعت؟! ألم أقل لك إن أحدًا لن يهتم بالعشرة ملايين أفغاني؟!.
بهذه النكتة، أنهينا مقالًا قديمًا، طرحنا في عنوانه هذا السؤال: «ومن يهتم بـ1500 إرهابي؟»، تناولنا فيه ردود الأفعال التي صاحبت صدور قرار محكمة جنايات القاهرة، في 12 يناير 2017، بإدراج اللاعب محمد أبو تريكة وأكثر من 1500 شخص على قوائم الإرهابيين، بعد أن استوقفنا وقتها، وأثار دهشتنا، وما زال، تجاهل كل مقدمي البرامج التليفزيونية لكل من شملهم القرار، باستثناء زميلتنا لميس الحديدي التي أضافت إلى «أبوتريكة»، رجل الأعمال صفوان ثابت، ومصطفى صقر، صاحب مؤسسة «بيزنس نيوز». بالإضافة إلى زوبع (وهذا هو اسمه فعلًا!) الذي انتقى، في برنامجه على قناة «مكملين»، عشرين شخصًا وضعهم فيما وصفها بـ«لوحة الشرف»، كلهم قيادات بالجماعة، وكان معهم أيضًا أبوتريكة!.
في هذا المقال، وصفنا ما جاء في حيثيات ذلك الحكم، بأنه كلام عام، يقابله كلام محدد من محاميه، نسج عليه جمهور اللاعب ومحبّوه والمتعاطفون معه ومستخدموه، قصصًا وحكايات وأساطير وخزعبلات، سبق أن لاكها بعضهم وقت أن تم التحفظ، في مايو 2015، على أمواله وأسهمه في شركة سياحة، تم اتهامها بتمويل أنشطة جماعة الإخوان. وكان سبب وصفنا للحيثيات بذلك، هو أنها لم تنسب أفعالًا أو اتهامات محددة إلا لعدد من قيادات الإخوان، وتركتنا نتوقع أو نستنتج أن باقي الأسماء لأصحاب أو شركاء في كيانات اقتصادية كانت مملوكة لقيادات الجماعة المحبوسين، وانتقلت ملكيتها إلى آخرين من غير المرصودين أمنيًا، وأنهم «موّلوا الجماعة لشراء الأسلحة وتدريب عناصر الجماعة عسكريا، وإعدادهم بدنيا للقيام بأعمال إرهابية... إلخ»، أو إلى آخر الاتهامات التي شملت كل من في القائمة دون تحديد أو تمييز إلا لعدد قليل من الأسماء والشركات.
لاحقًا، قضت محكمة جنايات القاهرة، في يناير 2018، بتأييد إدراج «أبوتريكة» وزملائه على قوائم الإرهابيين لمدة 3 سنوات، لاتهامهم بتمويل جماعة الإخوان بقصد القيام بأعمال إرهابية والإضرار باقتصاد البلاد في القضية رقم 653 لسنة 2014 حصر أمن دولة عليا. وبعدها، ألغت محكمة النقض القرار وأحالته إلى دائرة جنايات أخرى. وكادت حيثيات الإلغاء، تكاد تطابق مع ما ذكرناه، في المقال المشار إليه. إذ استندت حيثيات إلغاء القرار إلى أنه «جاء مجملًا بلا توضيح للأفعال والوقائع الخاصة بالمتهمين المدرجين كما أنه لم يتم تسبيبه بالشكل الذي حدده القانون حتى يمكن لمحكمة النقض مراقبته كما يحدد القانون».
مع ذلك، لا يزال محمد أبو تريكة وزملاؤه مدرجين على قوائم الإرهابيين، بموجب قرار آخر أصدرته الدائرة 25 بمحكمة جنايات القاهرة، ونشرته الجريدة الرسمية أواخر أبريل 2018، بناءً على مذكرة قدمتها نيابة أمن الدولة العليا تضمنت الأسباب القانونية لإدراجهم في قائمتي «الكيانات الإرهابية والإرهابيين»، على خلفية التحقيقات في القضية رقم 620 لسنة 2018. ما يعني أن القرار الثاني تدارك أسباب إلغاء القرار الأول. وفوق ذلك زادت فيه مدة الإدراج إلى 5 سنوات، سيبدأ احتسابها طبعًا من يوم صدور القرار. ولعلك تعرف أنه وفقًا لقانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين الصادر سنة 2015، فإن إدراج أي جماعة أو أشخاص على هذه القوائم يتبعه تلقائيًا التحفظ على الأموال والمنع من السفر ووضعهم على قوائم ترقب الوصول إن كانوا خارج البلاد و... و... و.... حتى لو تم إلغاء هذا القرار، قبل نهاية أبريل 2023، فإن المنطق يقول إن أبوتريكة وزملاؤه، أعضاء جماعة الإخوان، يشملهم أيضًا، بالضرورة والتبعية، قرار إدراج الجماعة على قائمة «الكيانات الإرهابية»، سواء في مصر أو في غيرها.
المذكور، فعلًا وقولًا، أحد أعضاء جماعة الإخوان. وغير إعلانه عن دعمه لمرشح الجماعة في انتخابات الرئاسة، وغير ظهوره على قنوات الجماعة لتأييد قرارات ذلك المرشح بعد جلوسه على مقعد الرئيس، وغير أنه هارب في دويلة قطر، وينعم برعاية العائلة الضالة التي تحكمها بالوكالة. غير كل ذلك، فإن «الكابتن محمد أبو تريكة»، كان واحدًا من أربعة لاعبين ينتمون لجماعة الإخوان، ذكرهم بالاسم القيادي الإخواني محسن راضي، حين استضافه زميلنا محمد شبانة، في 5 أغسطس 2011، على قناة «مودرن حرية». وفي حضور قيادي إخواني آخر هو جمال نصار، كان يؤيد كلامه ويؤكد عليه، قال راضي إن مختار مختار، محمد أبو تريكة، ربيع ياسين، هادي خشبة، وغيرهم من اللاعبين أعضاء الجماعة كانوا «بيتستّروا تحت مسميات مختلفة ولا يعلنوا عن هويتهم» هربًا من الملاحقة الأمنية.
القيادي الإخواني، الذي كان أبرز أعضاء كتلة الإخوان في برلماني 2005 و2011، لخص صيغة تعامل الجماعة مع أبو تريكة وأمثاله بقوله: «لمّا يكون فيه شخصية ذات تأثير عام ولها اسم، وحريصة على التألق، إحنا كإخوان بنحاول نبعدهم شوية عن الناحية التنظيمية عشان يحصلوا على تألقهم باعتبار إنهم بيمثلوا قدوة». وهكذا، كان أبوتريكة «إخواني محنّط»، حسب وصف إبراهيم ربيع القيادي المنشق عن جماعة الإخوان، الذي قال إنه حين كان عضوًا في «لجنة الصفوة والمحبين» بالجيزة، طلب منهم «عصام العريان» الاهتمام باللاعب محمد أبوتريكة الذي قال إنه «مربيه على إيده». ولا نعتقد أنك لا تعرف كيف تربي الجماعة غلمانها.