رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة البيانات الكبيرة «2»


تحدثنا فى المقال السابق عن الثورة الهائلة التى تجتاح العالم المتقدم والطامح للتقدم، والتى أُطلق عليها «ثورة البيانات الكبيرة»، والمترتبة على تضخم حجم البيانات التى تتدفق فى كل لحظة، وتغطى كل مناحى الوجود والحياة، وتساءلنا عن الكيفية التى ستغير بها هذه الثورة طبيعة حياتنا البشرية، وعن انعكاساتها القادمة على البيئة والمجتمع، وهو أمر يهمنا بالضرورة، ولا يجب التحجج بالأوضاع والظروف المضطربة التى نعيشها، لتبرير تجاهلنا معطيات هذه الثورة وانعكاساتها المباشرة على حياتنا وأمننا.

يقدم البروفيسور «روب كيتشن» فى كتابه «ثورة البيانات: البيانات الكبيرة والبيانات المفتوحة، والبنى التحتية للبيانات والنتائج المترتبة عليها»، وصفًا تفصيليًا لهذه الثورة التى تأسست فى الموجة الأخيرة من تقنية المعلومات والاتصالات (ICTs)، وذلك من خلال عدد كبير من الأجهزة الرقميّة التى نصادفها اليوم فى المنازل وأماكن العمل والأماكن العامة، كأجهزة الاتصال المحمولة والحوسبة الموزعة والحوسبة السحابية ووسائل التواصل الاجتماعى وإنترنت الأشياء «أجهزة ووسائل استشعار مترابطة ومتصلة من خلال الشبكة العالمية الإنترنت».
فهذه الوسائط والمنصّات التقنية الجديدة، أضحت، كما يوضح «د. كيتشن»: «تقود وتوجه أكثر من أى وقت مضى العديد من جوانب الحياة اليومية (العمل، والاستهلاك، والسفر، والاتصال، والترفيه)، وأضحت العوامل التى نعيش فيها تُفهم بهيئة بيانات، وتُسيّر من خلال التقنيات المعتمدة على البيانات، وعلاوة على ذلك، فإن هذه الوسائط والمنصّات التقنية الجديدة تعمل منطقيًا على إعادة تشكيل طرق إنتاج، وتداول، وتفسير البيانات، وإنتاج ما اصطُلـح على تسميتـه (البيــانات الكبيرة- Big Data)، والتى يظهر أثرها بشكل جلى فى مجالات العلوم وقطاع الأعمال والقطاع الحكومى والمجتمع المدنى».
وتبدو مظاهر هذه الثورة المعرفية الجديدة واضحة فى مناحى علمية وتطبيقية مُبتكرة، أصبحت وستصبح مصدرًا لمكاسب هائلة لمن يبرع فى تملُّك ناصيتها، وابتكار استخدامات علمية وتجارية وعسكرية وصناعية وزراعية وخدماتية لها، وأبرز هذه المجالات خمسة: إنترنت الأشياء «Internet of Things»، والحصول على الخدمات والتحكم فى الأدوات عبر الهاتف «Mobile Apps»، استخدام الطائرات المُسيّرة بدون طيار «Peace Drones»، واستخدامات الإنسان الآلى «Robotics»، والطابعات ثلاثية الأبعاد «3D Printers»، وفى كل من هذه التطبيقات الابتكارية جانب من «ثورة المعلومات الكبيرة»، ما يُشكِّل مصدرًا هائلًا للثروة، التى لا تحتاج إلى أيدى عاملة كثيرة، أو مواد خام نادرة، ومع هذا تدر مكاسب لا حدود لها.
إن ربط الفضاء الإلكترونى بالأجسام المادية كـ«المركبات، والأجهزة المنزلية، والمعدات الطبية، وغيرها» عن طريق الإنترنت، وذلك من خلال اتصالها بالشبكة، واستخدامها فى تنظيم الحرارة والتحكم فى الإضاءة، ومراقبة المنزل الشخصى، والملابس الذكية والساعات الذكية وترشيد استخدام المياه والكهرباء والملاحة المتصلة بالشبكة، ورصد الاختناقات المرورية وأوضاع الطيران والسكك الحديدية والتحليلات التنبؤية والتجارة الإلكترونية، وتطبيقات الهاتف المحمول فى التعليم والصحة والمواصلات والخرائط والمعاملات الحكومية وطلب الخدمات والترفيه، واستخدام الـ«درونز» فى تقديم الخدمات المدنية للسُكّان، وتوفير خدمات الإنترنت والخدمات الصحية، وتوصيل الأطعمة والبضائع، ومكافحة تلوث الهواء، ومتابعة المجرمين، ورصد التنوع البيئى، ومراقبة حركة سير السفن وخلافه، فضلًا عن إنتاج «الروبوتات» المستخدمة فى الصناعة والأغراض العسكرية والتعويضية، وإجراء العمليات الجراحية عن بُعد، وخدمة المنزل والأعمال الشاقة، وخدمة العملاء، واستخدام الطابعات الثلاثية لتشييد المنازل بسرعة وكفاءة وكلفة أقل، وطباعة السيارات، والمعدات والأجهزة والأجزاء التعويضية.. إلخ- يشى بأن البشرية تتأهب لولوج بوابة عالم جديد، يقدم بوعود وردية لمن يُحسن التعامل معه، ولكنه أيضًا مسار له آثار اجتماعية وسياسية خطيرة. فما هى وكيف نتعامل معها؟!