رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رعونة أردوغان وهذيانه


الموضوع الأهم الذى تناوله وزير خارجيتنا، مساء الأحد، مع نظيره الفرنسى، لم يتطرق إليه المتحدث الرسمى فى تصريحاته، واكتفى بالإشارة إلى أن الوزيرين تبادلا الرؤى حول مستجدات الأوضاع فى المنطقة، وسُبل تطوير آفاق العلاقات فى شتى المجالات، ومن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، لم يذكر إلا المشهد الجارى فى ليبيا، وتطورات الأوضاع السودانية، وما تشهده منطقة الخليج مؤخرًا من أحداث وتطورات.
مع تسليمنا بأهمية ما يحدث فى ليبيا والسودان ومنطقة الخليج، لكن تصريحات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بشأن عمليات التنقيب عن الطاقة فى شرق البحر الأبيض المتوسط، لا يمكن تجاهلها، بل إنها قد تكون الدافع الأساسى لاتصال جان إيف لو دريان التليفونى بسامح شكرى، وقطعًا كان هذا الموضوع أبرز ما اتفق الوزيران على مواصلة التشاور بشأنه خلال الفترة المقبلة «موضوع الرعونة أو «البلطجة» التركية، فى تعاملها مع العديد من القضايا الإقليمية والدولية، بدءًا من دعمها للإرهابيين فى ليبيا، وليس انتهاءً بمحاولتها السطو على الغاز القبرصى واليونانى فى شرق المتوسط».
اتصال وزير أوروبا والشئون الخارجية الفرنسى بوزير خارجيتنا جاء بعد ساعات من هجوم أردوغان العنيف، على تصريحات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، التى طالب فيها تركيا بوقف عمليات التنقيب غير القانونية فى شرق البحر المتوسط. وطبقًا لما ذكرته وكالة أنباء الأناضول، فإن الرئيس التركى، خلال مشاركته صباح الأحد فى اجتماع مجلس المصدرين الأتراك بمدينة إسطنبول، قال مخاطبًا ماكرون: «عندما يتحدث أردوغان فإنه يتحدث بصفة بلد ضامن، وكذلك اليونان وبريطانيا، أما أنت فبأى صفة تتحدث؟»، كما أكد أردوغان على إصرار حكومته على مواصلة التنقيب، مهددًا بأن قواته البحرية والجوية سترد على أى تحرك ضد سفن التنقيب التركية. ربما فى إشارة إلى مذكرات الاعتقال التى أصدرتها قبرص، الأسبوع الماضى، ضد طاقم إحدى هذه السفن.
قبرص، العضو فى الاتحاد الأوروبى، قامت بتوقع عقود للتنقيب عن الغاز مع عدد من الشركات العملاقة، أبرزها «إينى» الإيطالية، «توتال» الفرنسية، و«إكسون موبيل» الأمريكية. ولم يكن ماكرون أول أو آخر من طالبوا تركيا بوقف أنشطتها غير القانونية. إذ تكررت، طوال السنة الماضية، وليس الشهر الماضى فحسب، تحذيرات الاتحاد الأوروبى من عواقب تلك الأنشطة، وتعهد بـ«الرد بشكل مناسب»، كما سبق أن أعربت الولايات المتحدة عن قلقها العميق، وطالبت تركيا بوقف هذه الأنشطة، التى وصفتها بأنها «استفزازية للغاية» وحذرت من خطورة «تصعيد التوتر فى المنطقة»، وخلال قمة دول جنوب أوروبا السبع، «ميد7»، التى استضافتها مالطا، الجمعة، وأعلن خلالها الرئيس الفرنسى تصريحاته، قالت فيديريكا موجيرينى، وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبى، إن وزراء خارجية دول الاتحاد الـ٢٨ جددوا تأكيد دعمهم لقبرص فى هذا النزاع، وطلب البيان الختامى للقمة من الاتحاد الأوروبى «البحث فى اتخاذ تدابير مناسبة تضامنًا مع قبرص».
تحت عنوان «صراعات غاز المتوسط»، قلنا منذ يومين، إن التحولات العديدة التى جرت وتجرى فى المنطقة كان بين أهدافها أو محركاتها محاولة السيطرة على منابع ومصادر الطاقة فى شرق المتوسط، بين ثلاث قوى رئيسية هى مصر وتركيا وإسرائيل. وأشرنا إلى ذلك الاجتماع الذى عقدته مصر واليونان وقبرص فى ٢٠١٤، ونتج عنه إعلان القاهرة وإعلان نيقوسيا فى أبريل ٢٠١٥ لمحاولة تنظيم عمليات الاستثمار فى تلك الثروة، التى كانت بوصلة واضعى السياسات فى الدائرة الداخلية للرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، إدراكًا منهم بأهمية النفط والغاز فى استراتيجيتهم تجاه روسيا، الصين، والاتحاد الأوروبى.
تركيا، هى الدولة الوحيدة التى لم تعلن عن منطقتها الاقتصادية فى شرق المتوسط، ولم توقع أى اتفاقية لترسيم حدودها البحرية مع أى دولة ساحلية، ومع ذلك لا تريد العبث فقط قبالة السواحل القبرصية، بل ترغب أيضًا بمساعدة قطر فى استثمار شواطئ غزة، عبر تحريك حركة «حماس»؛ لمنع التوصل إلى تسوية فى القطاع، كما يقف الطمع التركى فى غاز المتوسط وراء التصعيد الراهن مع واشنطن ومحاولات أردوغان مناطحة الولايات المتحدة بأى شكل، حتى لو بـ«إخصاء نفسه»، كما يحدث حاليًا، بإصراره على إتمام صفقة صواريخ «إس- 400» الروسية، التى سيتم الرد عليها قطعًا بعقوبات أمريكية لن يحتملها الاقتصاد التركى المتردى أساسًا، كما ستضاعف معارضى وكارهى أردوغان وحزبه.
التفسير الأرجح لرعونة الرئيس التركى وهذيانه، هو أنه يراهن على إشعال حرب يخرج بها من الأزمات الداخلية التى عجز ويعجز عن حلها، وإذا اختلفت مع هذا التفسير، فإنك غالبًا لن تختلف على أننا أمام مختل عقليًا، صار وجوده فى الحكم، أو على قيد الحياة، خطرًا على المنطقة وما حولها، وطبعًا على تركيا وشعبها.