رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صراعات غاز المتوسط



منذ شهر، قام الاتحاد الأوروبى بتحذير تركيا من عواقب أنشطتها فى التنقيب عن النفط والغاز قبالة السواحل القبرصية، التى وصفها بأنها غير قانونية وتعهد بـ«الرد بشكل مناسب». والجمعة، دعا الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، تركيا إلى التوقف عن تلك الأنشطة، وأعلنت فيديريكا موجيرينى، وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبى، أن وزراء خارجية دول الاتحاد الـ٢٨ جددوا تأكيد دعمهم لقبرص فى النزاع. وهناك تحذيرات شبيهة أطلقتها الخارجية الأمريكية.
اكتشافات الغاز فى شرق المتوسط، ودور مصر الإقليمى، كانا محور مؤتمر «بيت المستقبل» الدولى السنوى، الذى ينعقد بمدينة بكفيا اللبنانية، وافتتحه أمين الجميل، رئيس جمهورية لبنان الأسبق، فى حضور رئيس الحكومة السابق، فؤاد السنيورة، وطارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية المصرى، وعدد من الوزراء والمسئولين الحكوميين، العرب والأجانب، الحاليين والسابقين. بالإضافة إلى خبراء ومصرفيين وأكاديميين، وعدد من كبار صانعى القرار فى مجالى النفط والغاز وممثلى شركات الطاقة العالمية.
المؤتمر الذى انعقد تحت عنوان «الجغرافيا السياسية والطاقة فى الشرق الأوسط»، تحدث فيه الرئيس اللبنانى الأسبق عن «دور مصر الاستراتيجى المتنامى الأهمية على صعيد الاكتشافات الجديدة والتحول لتكون مركزًا إقليميًا للطاقة يساعدها فى ذلك امتلاكها بنية تحتية متطورة، خاصة فى مجال تسييل الغاز وتصديره». كما توقف مالتى جاير، الممثل المقيم لمؤسسة «كونراد أديناور» فى بيروت، عند «الأهمية الكبيرة التى توليها أوروبا لمنطقة شرق المتوسط، مع توالى اكتشافات الغاز الكبيرة فى مصر وقبرص».
فى كلمته، تناول «الجميل» عددًا من التحديات الرئيسية التى تواجه دول المنطقة فى إطار سعيها إلى الاستغلال الأمثل لمواردها، كان بينها «قيام روسيا بتعزيز شبكة أنابيب النفط والغاز لتصبح أهم مورد طاقة لأوروبا والصين». الأمن والاستقرار، قد يؤثران سلبًا على مستقبل صناعة الطاقة فى المنطقة التى لا يمكن أن تتطور وتسهم فى النمو الاقتصادى فى غياب الاستقرار والتوازن الاستراتيجى بين دول المنطقة. فى وجود «بعض الخلافات الحدودية، خصوصًا بين لبنان وإسرائيل وبين تركيا وقبرص».
مصر تستعد لتكون مركزًا إقليميًا للطاقة، نظرًا لموقعها الاستراتيجى، وانطلاقًا من إمساكها بمفاتيح مستقبل غاز المتوسط، وقدرتها على لعب دور مهم فى تدفق تجارة الطاقة الدولية. وغير ما قاله الرئيس اللبنانى الأسبق، فإن رئيس شركة نوبل إنيرجى، مثلًا، لا يترك مناسبة إلا ويتحدث فيها عن الفرص الواعدة فى مصر وعن اهتمامها بتطوير هذا القطاع، والبنية التحتية المتطورة التى تتضمن شبكة أنابيب لنقل الغاز ومحطات تسييل الغاز. وغير شركة نوبل إنيرجى المتخصصة فى البحث عن الغاز الطبيعى واستكشافه، حصلت شركة إكسون موبيل، وغيرها من الشركات الأمريكية على حصة من عمليات التنقيب فى مصر.
لا نكشف جديدًا لو قلنا إن التحولات العديدة، التى جرت وتجرى، فى المنطقة، كان بين أهدافها أو محركاتها، محاولة السيطرة على منابع ومصادر الطاقة فى شرق المتوسط، بين ثلاث قوى رئيسية هى مصر وتركيا وإسرائيل. والإشارة هنا مهمة إلى ذلك الاجتماع الذى عقدته مصر واليونان وقبرص فى ٢٠١٤، ونتج عنه إعلان القاهرة وإعلان نيقوسيا فى أبريل ٢٠١٥ لمحاولة تنظيم عمليات الاستثمار فى تلك الثروة، التى كانت بوصلة واضعى السياسات فى الدائرة الداخلية للرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، إدراكًا منهم لأهمية النفط والغاز فى استراتيجيتهم تجاه روسيا، الصين، والاتحاد الأوروبى.
منذ أسبوع، استعرضت ندى بوستانى، وزيرة الطاقة اللبنانية، خريطة حقول الغاز فى البحر المتوسط، وقالت إن لبنان سيبدأ بالحفر مع نهاية العام. بالتزامن مع جهود الوساطة التى يبذلها ديفيد ساترفيلد، مساعد وزير الخارجية بالوكالة، بين الإسرائيليين واللبنانيين فى تسوية نزاع حدودى بحرى. وبالطبع، ليست صدفة أن ساترفيلد سيغادر منصبه الحالى، قريبًا، ليصبح سفير الولايات المتحدة فى تركيا. وأضف إلى ذلك، أن مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى، حرص فى مارس الماضى، على زيارة تل أبيب لحضور توقيع اتفاق إسرائيلى يونانى قبرصى لإقامة خط أنابيب لتسهيل تصدير الغاز إلى أوروبا. فى إشارة متعمدة إلى دعم الولايات المتحدة لهذا المشروع، رغم الشكوك المحيطة بجدواه وقدرة أوروبا على تحمل تكلفته.
.. وتبقى الإشارة إلى أن غاز المتوسط، كان أحد أسباب العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وتركيا التى لا تريد العبث فقط قبالة السواحل القبرصية، بل ترغب أيضًا، بمساعدة قطر، فى استثمار شواطئ غزة، عبر تحريك حركة «حماس» لمنع التوصل إلى تسوية فى القطاع. ووفق هذا التصور، يمكن التعامل مع زيارة الجنرال كينيث ماكينزى، قائد القيادة المركزية الأمريكية، إلى مصر، منذ أيام، وعرضه التعاون مع القوات البحرية المصرى، لحماية حقول الغاز المكتشفة فى المنطقة.