رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل نجحت «أبقار الدوحة» فى كسر المقاطعة؟


منذ أيام قليلة مرت الذكرى الثانية لمقاطعة مصر والسعودية والإمارات والبحرين لدويلة قطر، دون أن يبدو فى الأفق أى أمل فى تغيير مواقف الدويلة المارقة، التى ترعى وتمول الإرهاب بـ«سخاء»، خاصة فى الشرق الأوسط.
هذا الوضع السياسى يعكس موقفًا سياسيًا متصلبًا لدويلة صغيرة، بمساحتها وحجم شعبها، لكنها تملك فى المقابل ثروة هائلة من الغاز الطبيعى، تبددها على أوهام سياسية وأحلام مستحيلة بالسيطرة وبفرض النفوذ، دون امتلاك أى عناصر من عناصر القوة الشاملة المتعارف عليها.. ويعكس أيضًا طبيعة نظام قائم على الانقلابات داخل أسرة الحكم، حيث شهدت هذه الأسرة ثلاثة انقلابات منذ تأسيس الدولة فى أول سبتمبر من العام 1971، وهو نظام يرفع شعار «المال مقابل الشرعية»، بمعنى هو يدرك أنه لا بقاء له إلا بضخ مزيد من الأموال فى خزائن دول كبرى.
ولا يحتاج أى محلل سياسى أو اقتصادى لبذل كثير من الجهد، لإثبات مدى الأضرار التى لحقت بدويلة قطر جراء هذه المقاطعة، رغم كل الادعاءات والأكاذيب التى يحاول حكامها ترويجها، بأن الوضع الاقتصادى القطرى صار أفضل فى ظل المقاطعة التى يسمونها «الحصار».
ولا يستطيع أى مراقب أو متابع أن يبرر هذا الموقف السياسى المتصلب من حكام الدوحة، خاصة أن الدول المقاطعة ترفض فقط تدخل هذه الدولة فى أمورها، وترفض قيامها بتمويل الحركات الراديكالية التى تسعى لزعزعة الاستقرار بها.
الموقف المتصلب من حكام الدوحة، الذى فشل فشلًا ذريعًا فى كسب أى تعاطف دولى، رغم المليارات التى أُنفقت فى حملات الدعاية وحملات العلاقات العامة التى قامت بها، ما زال مُصرًا على محاولة ترويج رسالتين متناقضتين بشدة طوال العامين الماضيين، الأولى هى رسالة مظلومية تروج أن قطر محاصرة من جيرانها، والثانية أن عامى الحصار جعلاها أكثر قوة وازدهارًا واعتمادًا على نفسها.
والدليل الأوحد الذى تسوقه دويلة قطر على ذلك، هى أنها أصبحت تغطى احتياجاتها من الحليب الطازج، وأنها سوف تبدأ التصدير منه إلى الخارج فى القريب العاجل، بسبب المشروع «العبقرى» الذى أقامته خلال فترة المقاطعة، الذى تمثل فى استيراد آلاف الأبقار وإنشاء مصنع لإنتاج الحليب الطازج، فهل يعتقد حكام الدوحة أنهم قاموا بمعجزة، بعد أن أصبحوا قادرين على إنتاج حليب طازج لمليونين ونصف المليون إنسان، يعيشون على أرض قطر، ويمثل السكان الأصليون أقل من ربعهم «حوالى 320 ألف قطرى»؟، هل يمكن اعتبار أن الأبقار الحلوب التى استوردتها حكومة الدوحة استطاعت أن تهزم ما سموه حصار الدول الرافضة للإرهاب؟.
لا يمكن الاعتقاد بذلك بطبيعة الحال، فإنتاج الحليب ليس معجزة سياسية أو اقتصادية، خاصة فى سوق محلية صغيرة، ولكن المفلس يبحث عن أى انتصار ولو كان زائفًا، تمامًا كما أطلقوا لقب «العاديات» على طائرات «رافال» الفرنسية، التى تم الاتفاق على شرائها مؤخرًا.. ولا أحد يدرى كيف ستستوعب الأراضى القطرية كل هذه الأسلحة والطائرات التى تتكدس على أرضها، سواء داخل قاعدة العديد الأمريكية، أو قاعدة «الريان» التركية فى قطر؟.
الحقيقة أن المكايدات السياسية التى يقوم بها حكام الدوحة، لا تستطيع أن تخفى الحقيقة التى يراها الجميع بأعينهم بوضوح، وهى أن قطر تعانى معاناة كبيرة بعد عامين من المقاطعة، فقد تضرر قطاع العقارات والبيع بالتجزئة، وأصبحت مراكز التسوق والفنادق التى كانت تمتلئ أحيانًا بالسائحين السعوديين والإماراتيين أصبحت شبه خالية، كما انخفضت أسعار العقارات بشكل حاد وسط تخمة المعروض فى الفترة التى تسبق استضافة قطر لكأس العالم عام 2022.
وقد انخفضت أسعار الإيجارات فى القطاع العقارى بنحو 20%، وخفضت وكالة «موديز» العالمية لخدمات المستثمرين تصنيف كل من البنك التجارى القطرى وبنك الدوحة.
وفى مارس الماضى أعلنت الخطوط الجوية القطرية عن خسائر سنوية للعام الثانى على التوالى، بسبب منع دول المقاطعة من استخدام مجالاتها الجوية، مما اضطر الشركة المملوكة للدولة لتغيير مساراتها وإعادة توجيه الكثير من الرحلات، وهو ما ترجم فى النهاية بمزيد من الخسائر، خاصة بعدما أُجبرت على إلغاء العديد من رحلاتها.
وقدر حساب قطريليكس بأنه بعد 500 يوم من المقاطعة، خسرت المصارف القطرية 40 مليار دولار من الودائع الخاصة، كما فقدت بورصة قطر 33 مليار دولار من قيمتها 2017، وأن إجمالى الدين العام صعد إلى أكثر من نصف تريليون ريال، كما فقد القطاع السياحى 490 ألف سائح وتكبد خسائر قياسية.
وعلى الجانب الآخر يرى محللون أن الدول الرافضة للإرهاب، جنت مكاسب حقيقية من مقاطعتها لهذه الدويلة المارقة، حيث تراجعت تدخلاتها فى شئونها ومحاولتها زعزعة الأمن بها، من خلال ضخ الأموال إلى الإرهابيين والجماعات الخارجة عن القانون.. كما أن عامى المقاطعة تسببا، بشكل واضح، فى هزيمة الأذرع الإرهابية العديدة فى دول الربيع العربى، فى كل من اليمن الذى تتلاقى فيها الأجندة القطرية مع الإيرانية، حيث يتزايد الدعم العربى والأمريكى أيضًا للتحالف العربى بقيادة السعودية، فى مواجهة التدخلات الإيرانية من خلال الدعم العسكرى والمادى الكبيرين للميليشيا الحوثية، وهو ما يغلق الآفاق المستقبلية أمام المشروع الحوثى، ويؤكد أنه إلى زوال.
كذلك تفقد قطر أوراقها الإرهابية فى سوريا، فى ظل الإصرار الروسى على اقتلاع الإرهابيين من كل المناطق السورية، وكذلك هزيمة تنظيم داعش الإرهابى، أما فى مصر فلا أمل بالمرور بعد خلع الإخوان من الساحة السياسية إلى الأبد، وتبوء كل محاولاتها بدعم وتمويل الدواعش بالفشل، أمام الضربات الأمنية التى تحاصر هذه الهجمات فى مساحة جغرافية لا تتعدى ثمانين كيلومترًا.
الحقيقة المؤكدة أن العناد لن يفيد حكام الدوحة ولا الأبقار أيضًا.