رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حفتر فى البيت الأبيض!


لم يتلق المشير حفتر دعوة لزيارة البيت الأبيض، وكنا ظنناها إشارة واضحة وصريحة إلى دعم الولايات المتحدة للجيش الوطنى الليبى، بعد تلك الإشارة الضمنية التى حملتها مكالمة تليفونية جرت بين الطرفين منتصف أبريل الماضى.
وكالة أنباء «نوفا» الإيطالية كانت قد نقلت عن مصادر وصفتها بأنها «مطلعة» أن «حفتر» تلقى دعوة رسمية لزيارة الولايات المتحدة منتصف الشهر الجارى. كما زعمت الوكالة أن مصدرًا مقربًا من رجل ليبيا القوى أبلغها بأن هذه الزيارة من المتوقع «أن تكون فى ١٨ يونيو، وستبدأ بقمة بين ترامب وحفتر فى البيت الأبيض، بحضور وزير الخارجية مايك بومبيو». ومع أن الخبر تضمن تفاصيل عن جدول أعمال «القمة المرتقبة»، تناقلتها صحف ومواقع إلكترونية عديدة، لكن قناة «الحرة» الأمريكية نقلت عن «مسئول رفيع فى البيت الأبيض» أن تلك الأنباء «غير صحيحة»، وأنها «مجرد شائعات».
طوال ثلاث سنوات، قاتلت قوات الجيش الوطنى الليبى الميليشيات الإرهابية، بينها جماعات على صلة بتنظيمى داعش والقاعدة. وفى ٤ أبريل الماضى بدأت عملية تطهير العاصمة طرابلس، ثم أطلقت فى ٦ مايو المرحلة الثانية من عملية التطهير أو طوفان الكرامة، وفور بدء تلك العمليات أصدر مايك بامبيو، وزير الخارجية الأمريكى، بيانًا دعا فيه «قوات خليفة حفتر» صراحة إلى وقف الزحف «فورًا» تجاه طرابلس، مؤكدًا أنه لا حل عسكريًا للصراع الليبى، لكن قبل مرور أسبوعين على هذا البيان، أعلن البيت الأبيض، منتصف أبريل الماضى، أن الرئيس الأمريكى أجرى مكالمة تليفونية طويلة مع المشير خليفة حفتر، تناولا خلالها جهود «مكافحة الإرهاب» ورؤيتهما «المشتركة» لانتقال ليبيا إلى نظام سياسى مستقر وديمقراطى.
الإعلان عن تلك المكالمة جاء بعد إجرائها بثلاثة أيام، وبعد يوم واحد من معارضة واشنطن مساعى بريطانية فى مجلس الأمن الدولى لاستصدار قرار يدعو قوات الجيش الوطنى الليبى إلى وقف كل أنشطتها العسكرية، ويطالب كل القوات بوقف التصعيد. الأمر الذى أثار العديد من الأسئلة بشأن ما إذا كانت معارضة واشنطن ناتجة عن ضغوط «أو تأثيرات» مصرية، وسعودية، وإماراتية. قبل أن يأتى البيان الصادر عن البيت الأبيض؛ ليشير إلى أن ترامب «اعترف بدور المشير حفتر المهم فى مكافحة الإرهاب وضمان أمن موارد ليبيا النفطية».
هنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون كان أول رئيس غربى يدعو المشير خليفة حفتر لزيارة بلاده، لكن فرنسا، التى تبنت الوساطة بين أطراف الصراع فى ليبيا، تنفى باستمرار انحيازها إلى أى من تلك الأطراف، ردًا على اتهامها بدعم رجل ليبيا القوى، وهو الاتهام الذى أدى إلى خلافات علنية مع إيطاليا التى تدعم فايز السراج وما يوصف بـ«حكومة الوفاق»، وسبق أن توقفنا أمام الصراع بين الدولتين، بين فرنسا وإيطاليا، بشأن الأزمة الليبية، ومحاولة كلتيهما انتزاع نصيب أكبر من «الكعكة» التى تريد الولايات المتحدة أن تنفرد بها، ونقصد مخزون النفط الليبى. كما سبق أن أوضحنا، فى نوفمبر الماضى، وقت انعقاد مؤتمر «باليرمو»، كيف أن هذا الصراع يطيل الأزمة ولا يحلها.
وما دام الشىء بالشىء يُذكر، نشير إلى أن مصادر فى الجيش الليبى، قالت إن قواته شنت ضربة جوية هى الثانية، خلال يومين، على القسم العسكرى لمطار معيتيقة، الذى تسيطر عليه الميليشيات الإرهابية التابعة لما يوصف بـ«حكومة الوفاق»، التى يرأسها برئاسة فايز السراج، بينما أعلن تنظيم «داعش» مسئوليته عن تفجير سيارتين ملغومتين تسبب فى إصابة ١٨ على الأقل من قوات الجيش الوطنى الليبى فى درنة. ما يعنى مجددًا أن داعش وميليشيات السراج فى جبهة واحدة. كما سبق أن أوضحنا أن الميليشيات الإرهابية التى ملأت ليبيا، منذ الإطاحة بمعمر القذافى تدعمها دول، تكاد تكون معروفة بالاسم.
الخلاصة، هى أن الوضع فى ليبيا سيستمر فى التدهور، لو لم يتمكن الجيش الوطنى الليبى من إحكام سيطرته على كامل الأراضى الليبية، وتطهيرها من الميليشيات الإرهابية، ونتوقع «أو نتمنى» أن تكون إدارة ترامب قد أدركت ذلك، بغض النظر عن توجيهها الدعوة إلى المشير خليفة حفتر، من عدمه، كما نتوقع «أو نتمنى» أيضًا، أن يكون الرئيس الأمريكى قد أدرك أنه «لا مجال للحلول الجزئية للصراعات والنزاعات، أينما كانت، وإنما بحل شامل وإعادة أبناء الوطن الواحد والمشاركة فى البناء والإعمار، ومحاسبة المخربين، والدول التى ترعى الإرهاب»، وما بين التنصيص من كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمام المجلس الفيدرالى الروسى، منتصف أكتوبر الماضى، التى أكد فيها أن تفكيك الدولة الوطنية تحت أى ذرائع، يؤدى إلى مزيد من الانهيار وتأجيج الصراعات الطائفية.