رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نورماندى Two كانت الثالثة!


رد فعل روسيا، إذن، كان مبررًا، وإشارتها إلى أن إنزال «نورماندى» لم يحدد مسار الحرب العالمية الثانية، لم تكن خارجة عن السياق، كما زعمت وكالة الأنباء الفرنسية. إذ كان طبيعيًا ومنطقيًا، وأقل واجب، كما ذكرنا أمس، أن يتم توجيه تلك الصفعة إلى الذين احتفلوا، الأربعاء والخميس، بالذكرى الخامسة والسبعين ليوم الإنزال البرمائى الأكبر فى التاريخ.
لم تكن أنت، أيضًا، خارجًا عن السياق، أو مخطئًا، حين اعتقدت أن عملية الإنزال هى نورماندى One، أو المرة الأولى التى يذكر فيها التاريخ اسم المقاطعة الساحلية الفرنسية. بل يتحمل الخطأ عباس كامل، مؤلف فيلم «ابن حميدو»، الذى جعل الريس حنفى (عبدالفتاح القصرى)، شيخ الصيادين فى السويس، يقاطع السيدة حرمه، أم حميدة (سعاد أحمد) ويضيف «تو»، Two، إلى اسم «نورماندى» فى حفل تسليم مفتاحها الذهبى إلى ملاكها الجدد: حسن أفندى القبطان ( أحمد رمزى)، وابن حميدو أفندى القرصان (إسماعيل ياسين)، قبل أن تغرق السفينة (المركب الصغير) فى لمح البصر!.
هذا الحفل، جاء ضمن أحداث الفيلم الذى أخرجه فطين عبدالوهاب سنة 1957، أما التاريخ فيقول إن عملية الإنزال، كانت هى نورماندى الثانية (Two)، لأنها جاءت بعد نحو عامين من غرق (أو إغراق) نورماندى الأولى (One) التى سرقتها الولايات المتحدة، أو احتجزتها، فى 12 ديسمبر 1941، مع 13 سفينة فرنسية أخرى، كانت رابضة على الشواطئ الأمريكية، عندما استسلمت فرنسا لألمانيا النازية، خلال الحرب العالمية الثانية. وقررت السلطات الأمريكية استخدامها فى الخدمة العسكرية. ولم تقبل التفاوض بشأنها مع حكومة المقاومة التى ترأسها الجنرال شارل ديجول، الرئيس الفرنسى لاحقًا. غير أن السفينة احترقت بأحد مرافئ نيويورك، فى 9 فبراير 1942، وأدى هذا الحريق (المتعمد غالبًا) إلى جنوحها ثم غرقها لتستقر فى قاع المياه حتى تقرر فى 3 أكتوبر 1946 بيع حطامها.
بدأ بناء الباخرة نورماندى فى يناير 1931، وتم الانتهاء منها فى 29 أكتوبر 1932، غير أنها لم تبدأ أولى رحلاتها إلا فى 29 مايو 1935، بعد أن تم تجهيزها، لتكون سفيرة فرنسا فى البحار، ولتصبح أكبر وأسرع وأفخم سفينة ركاب ظهرت فى ذلك الوقت، وتتفوق على «تيتانيك» البريطانية التى غرقت فى مياه المحيط الهندى فى أبريل 1912. وعليه، بلغ طول نورماندى 1029 قدمًا وعرضها 119 قدمًا، وسرعتها 29 عقدة (54 كيلومترًا فى الساعة) وتم تزويدها بأربع ماكينات توربو كهرباء بقوة 160 ألف حصان. وكانت حمولتها 85 ألف طن فى المياه. وغير طاقمها المكون من 1345 فردًا كانت تتسع لـ1972 راكبًا، تم تقسيمهم إلى 670 فى الدرجة السياحية، و848 فى الدرجة الأولى، و1345 فى الدرجة الثالثة.
نورماندى تجاوزت تيتانيك أيضًا، وكل منافسيها فى الأناقة والعظمة. ومع ملعب التنس وقاعة عرض الأفلام وحمامىّ السباحة، ضمت أفضل ما فى الثقافة الفرنسية، لدرجة أن كل قطع الأثاث فيها، بل كل محتوياتها، حملت توقيعات فنانين فرنسيين بارزين. وبغرق السفينة (أو إغراقها) تم تفريغها من كل هذه المحتويات (أو نهبها) لتتنقل من وقتها، وإلى الآن، بين المعارض والمزادات. وفى فبراير 2010، أقام متحف «ساوث ستريت سيبورت»، بمدينة نيويورك، معرضًا لتلك المحتويات، بينها أكثر من مائة قطعة مملوكة لصائد التحف ماريو بوليس، الذى قال وقتها إنه حصل على أحد التليفونات المستخدمة فى الدرجة الأولى بـ75 دولارًا، بينما دفع 75 ألف دولار ثمنًا لبيانو «جافو» المصنوع من خشب فاتح متموج الألوان، كان موضوعًا فى جناح «دوفيل» الذى أقامت فيه مارلين ديتريتش، الممثلة والمطربة الألمانية ثم الأمريكية، خلال إحدى رحلاتها من فرنسا إلى الولايات المتحدة.
هذا عن نورماندى الأولى، أما الثانية، أو عملية الإنزال، فلم تكن مؤثرة، بشكل أساسى، على نتيجة الحرب العالمية الثانية، طبقًا لما أكده المؤرخون، وكررت الخارجية الروسية، الأربعاء. وكان هدفها الأساسى، كما أوضحنا أمس، هو فتح جبهة جديدة ضد الألمان، وقوات المحور، لتخفيف الضغط عن الجبهة الروسية التى شهدت أكبر المعارك وأضخم الخسائر البشرية. وبالفعل، كانت جهود الاتحاد السوفيتى، هى التى أنهت الحرب لصالح الحلفاء.
على جنب، ضع الريس حنفى وحرمه السيدة أم حميدة، رحمهما الله. فما يعنينا هو أن الولايات المتحدة سرقت نورماندى الأولى من فرنسا، وسطت بالثانية، أى بعملية الإنزال، على النصر الذى حققته روسيا، أو كانت السبب الرئيسى فيه. والأهم هى أنها تمكنت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية من وضع أوروبا (الغربية، والشرقية لاحقًا) تحت سيطرتها، وأغرقتها (ولا تزال) فى أزمات، أوصلتها إلى حالة الجمود التى نراها عليها الآن.