رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إنزال «نورماندى».. صفعة روسية


فيلم وثائقى وفقرات من الغناء والرقص، وعروض قدمها 4 آلاف عسكرى و26 طائرة عسكرية و11 سفينة تابعة للبحرية البريطانية. وللمرة الأولى منذ استضافتها دورة الألعاب الأوليمبية فى 2012، اجتمع عدد من قادة دول العالم فى بريطانيا، يوم الأربعاء، للاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين ليوم إنزال نورماندى، ومن المفترض أن يكونوا قد انتقلوا، الخميس، إلى فرنسا ليواصلوا الاحتفال على الضفة الأخرى لبحر المانش.
حالة التوتر التى أحدثها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بين بلاده وحلفائها الأوروبيين بشأن العديد من الملفات، لم تمنعه من المشاركة فى الاحتفال الذى أقيم بمدينة بورتسموث البريطانية، بمشاركة إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا، ورئيسة وزرائها تيريزا ماى والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الكندى جاستن ترودو، و... و...300 جندى، أصبحوا الآن فى التسعينيات من العمر، شاركوا فى المعركة التى كانت إحدى محطات الحرب العالمية الثانية، وأبحروا، من بورتسموث، على الساحل الجنوبى لبريطانيا إلى شاطئ نورماندى، شمال غرب فرنسا، لتبدأ سلسلة من المعارك ضد ألمانيا النازية وقوات الحلفاء، كانت جزءًا من عدة مراحل عُرفت، فى مجملها باسم حملة نورماندى.
فى آخر مهمة رسمية لرئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماى، قبل أن تغادر منصبها ورئاسة حزب المحافظين، الجمعة، قرأت رسالة كتبها النقيب نورمان سكينر لزوجته، كانت فى جيبه عندما لقى مصرعه فى اليوم التالى من نزوله إلى شاطئ نورماندى. وقام الرئيس الفرنسى وآخرون بتلاوة أجزاء من رسائل الجنود إلى ذويهم، أسالت دموع المحاربين القدامى، الذى نجوا من الحرب. وبدا الجميع وكأن على رءوسهم الطير، وهم يسمعون وينستون تشرتشل، رئيس الوزراء البريطانى وقت الحرب، يقول فى تسجيل صوتى: «سنقاتل على الشواطئ، سنقاتل على أرض الإنزال، سنقاتل فى الحقول وفى الشوارع، سنقاتل فى التلال. لن نستسلم أبدًا». وهنا تكون الإشارة واجبة إلى أن عملية إنزال نورماندى قادها الجنرال دوايت إيزنهاور، الذى كان قائدًا عامًا فى جيش الولايات المتحدة، وقائدًا أعلى لقوات الحلفاء فى أوروبا. ولاحقًا صار أول قائد أعلى لحلف شمال الأطلسى «الناتو»، ثم الرئيس الأمريكى الرابع والثلاثين.
الذكرى السبعون للإنزال، شارك فيها الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما. ومن المقبرة الأمريكية فى كولفيل ألقى خطابًا مؤثرًا أشاد فيه بالرجال والنساء الذين قاتلوا «لتغيير مجرى التاريخ والإنسانية». أما الرئيس الأمريكى الحالى، دونالد ترامب، فقرأ مقتطفات من صلاة أداها الرئيس الأمريكى فرانكفلين روزفلت، عبر الإذاعة، قال فيها: امنحهم، يا إلهى، بركاتك لأن العدو قوى. وقد يدحر قواتنا، ولكننا سنعود مرارًا وتكرارًا. وبعد الاحتفال غادر ترامب بريطانيا إلى أيرلندا ومنها انطلق إلى فرنسا، ليواصل المشاركة فى مراسم الاحتفالات، يوم الخميس، على الضفة الأخرى لبحر المانش. وتأمل باريس فى أن تكون تلك الزيارة فرصة للحوار مع الرئيس الأمريكى بعد زيارته الأخيرة، العام الماضى، فى ذكرى مرور مائة عام على انتهاء الحرب العالمية الأولى، التى انتهت بسلسلة تغريدات غاضبة هاجم فيها الرئيس الفرنسى.
الإنزال البرمائى الأكبر فى التاريخ، ككل معارك الحرب العالمية الثانية، لم تشارك فيه فقط الدول الست عشرة المشاركة فى احتفالات الأربعاء والخميس، فالثابت تاريخيًا هو أن الحلفاء تمكنوا، خلال ستة أشهر، من استقدام نحو مليونى جندى ومئات الآلاف من الدبابات والمدرعات والمركبات العسكرية، من كندا والولايات المتحدة وأستراليا ومن مستعمرات إنجلترا وفرنسا فى إفريقيا وآسيا. كما أنه ليس صحيحًا ما زعمه المشاركون فى احتفالات الأربعاء، بأن عمليه الإنزال كانت هى المعركة الحاسمة التى حررت أوروبا وأنهت فى الحرب العالمية الثانية. لأن الثابت تاريخيًا، أيضًا، هو أن الجبهة الروسية شهدت أكبر خسائر بشرية فى تلك الحرب، وأن عملية الإنزال، كان هدفها الأساسى فتح جبهة جديدة ضد الألمان لتخفيف الضغط العسكرى النازى عن تلك الجبهة، استجابة لطلب الزعيم السوفييتى جوزيف ستالين من الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطانى وينستون تشرشل فى مؤتمر عقده الحلفاء، سنة 1943، فى العاصمة الإيرانية طهران.
رد فعل روسيا، إذن، كان مبررًا، وإشارتها إلى أن إنزال نورماندى لم يحدد مسار الحرب العالمية الثانية، لم يكن خارجًا عن سياق الاحتفالات، كما زعمت وكالة الأنباء الفرنسية. إذ كان طبيعيًا ومنطقيًا، وأقل واجب، أن يتم توجيه تلك الصفعة إلى المحتفلين، وأن تخرج ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، لتؤكد أن جهود الاتحاد السوفيتى، الذى دخل الحرب سنة 1941، هى التى حققت النصر. حتى ولو لم تستشهد بالمؤرخين، الذين قالوا إن عملية الإنزال، وما تلاها من معارك، لم تكن مؤثرة، بشكل أساسى، على نتيجة الحرب.