رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«صفقة القرن» والفرص الضائعة ٢


توقفنا فى المقال السابق عند استعراضنا مزاعم بعض الأطراف، ومنهم الرئيس الأسبق «حسنى مبارك»، فى سياق الضغط على أبناء الشعب الفلسطينى للالتحاق بمشروع «صفقة القرن»، حول ما أسموه «الفرص الضائعة» التى بددها الفلسطينيون، فأهدروا إمكانيات كانت قائمة لاستعادة الحقوق وبناء الدولة المنشودة!
أشرنا إلى حديث «دينيس روس»، المنسق الأمريكى السابق لـ«عملية السلام» بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عن آرائه حول هذه القضية «جريدة (المصرى اليوم)، 26 مايو الماضى». فماذا قال «مبعوث السلام» الأسبق فى هذا الشأن؟!.
بدأ «روس» بوصف هذا الحدث، لا كمؤتمر للسلام بين الطرفين: الفلسطينى والإسرائيلى، أى طرفى الصراع الرئيسيين، وإنما أسماه، وهى تسمية ذات دلالة لا تغيب عن لبيب: «ورشة عمل» بعنوان «السلام من أجل الازدهار»، واستخدم أحيانًا اسم: «ورشة المنامة»!.
وشتّان من حيث المفهوم اللغوى، والمضمون الفعلى بين «المؤتمر» و«ورشة العمل»، وكان الطرف الأمريكى، عرّاب هذا الاجتماع، وتحسّبًا لفشله المتوقع، قد تراجع عن وصفه بمؤتمر للسلام، إلى هذا الوصف الغريب العجيب: «ورشة العمل»، ذات الطبيعة الاقتصادية فحسب، وهو وصف يذرى بخطورة المسألة، ويستخف بعمق أبعاد الصراع، ويشى بأن منظميه، وعلى رأسهم الصهيونى المتعصب «جاريد كوشنر»، صهر «ترامب»، قد أدرك، وإن كان متأخرًا، أن استمرار وصف الحدث بـ«مؤتمر السلام»، مع بؤس المشاركة، ومقاطعة الأطراف الفلسطينية الرسمية والرئيسية، سيكون بمثابة حكم على عملية «صفقة القرن» بالإعدام!.
ويوجّه «دينيس روس» طعنة نجلاء لـ«ورشة عمل المنامة»، بتأكيده على عدم وجود شىء اسمه «السلام الاقتصادى» أصلًا، لماذا؟ وهو المهم «لأنه لا يمكن الحديث عن الإعمار فى غزة دون نزع سلاح حماس أولًا، ويجب أن تكون (المقايضة) إعادة الإعمار من أجل نزع السلاح، فلا أحد سيستثمر فى مكان إذا كان الصراع سيندلع قريبًا»، أى أننا نعود إلى المربع صفر: الرفاه الاقتصادى المزعوم مقابل نزع سلاح الفلسطينيين «وليست حماس وحسب»، وهو أمر سياسى فى المقام الأول، فشلت فى إقراره عشرات المحاولات والضغوط وأشكال الحصار والتجويع والتهديد والوعيد سابقًا!
ويؤكد «دينيس روس» أنه لا وجود لما يُسمّى «صفقة القرن» من الأساس!، وأن «خطة ترامب» يمكن، فقط، وفى أفضل الأحوال، أن توفر «أساسًا جديدًا للتفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين»، وليس مُخططًا لحل الصراع، وفى هذا الإطار يجب الاعتراف باحتياجات الناس الذين يُعانون فى الأراضى الفلسطينية، خاصة أن «تأجيل احتياجات الناس تُعمّق الصراع وتُزيد حِدَّته»، وحتى قبول «خطة ترامب»، كأساس لمفاوضات مقبلة بين الطرفين، أمر ليس سهلًا.
إنها محادثات ستكون «طويلة وصعبة، ولن يتم التوصل إلى اتفاق شامل وتسوية نهائية فى وقت قريب».
ويرفض «روس» فكرة «التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين فى دولة قومية واحدة»، لأن: «دولة واحدة لهويتين قوميتين، وصفة نزاع لا نهاية لها.. ولأن الصراع الإسرائيلى الفلسطينى هو صراع تتنافس فيه حركتان وطنيتان على نفس المكان (!!!). الطريقة الصحيحة للتوفيق هو أن يُعبّر كل شخص عن هويته فى دولته المستقلة».
ويُعدد «روس» تحفظات الطرف الفلسطينى على «خطة ترامب»: الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إلى هناك، وإغلاق مكتب منظمة التحرير فى واشنطن، وقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، «وهو ما تسبب فى إعلان الرئيس الفلسطينى عبّاس أن الولايات المتحدة منحازة، ولا يمكن أن تكون الوسيط الوحيد لعملية السلام، وقطع كل الاتصالات المباشرة مع إدارة ترامب».
وبعبارة أخرى، فإن «روس» يقول للفلسطينيين ولنا: لا تراهنوا على «صفقة القرن» الترامبية، فهى وصفة وهمية، لن تقدم أو تؤخر. وكما يقول المثل فـ«الفضل ما شهدت به الأعداء»!.