رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عيد الخامس من يونيو!


فجر الأربعاء، أول أيام عيد الفطر المبارك، استهدفت مجموعة إرهابية كمينًا أمنيًا غرب مدينة العريش فى شمال سيناء. ومن بيان أصدرته وزارة الداخلية عرفنا أن تبادل إطلاق النيران أسقط خمسة عناصر إرهابية، وأدى إلى استشهاد ضابط وأمين شرطة و6 مجندين. وعرفنا، أيضًا، أن قواتنا تقوم بتتبع خطوط سير الإرهابيين الهاربين، وغالبًا سترسلهم إلى الجحيم، قبل أن تقرأ هذه السطور.
فى مثل هذا اليوم، الخامس من يونيو، منذ 52 سنة، قام محركو هؤلاء الإرهابيين باحتلال سيناء، فى حرب خاطفة لم نفرضها عليهم، كما زعموا، بل ثبت أنهم خططوا لها طوال سنوات طويلة، وانتظروا الشرارة أو التلكيكة. بالضبط، كما يفعل الإرهابيون الذين أوضحنا، مرارًا، أن محركهم واحد، مهما اختلفت التسميات والمسميات. وأكدنا أن الشك فى ذكائك واجب، لو اعتقدت أن «المُعتقَد» فقط هو الذى يحركهم، وتجاهلت الدور الذى تلعبه مؤسسات وأجهزة مخابرات دول، هى ذاتها التى تحالفت وتآمرت ضدنا فى معركة 5 يونيو 1967، التى لم تكن غير معركة فى حرب طويلة، ومجرد استثناء فى تاريخ شعب عظيم استوعب ٧٠٠٠ سنة، على الأقل، من حضارة عريقة وراسخة، تأكدت قيمها بنضال هذا الشعب، وببطولات وانتصارات جيشه، الذى قد يخسر معركة لكنه ينتصر دائمًا فى الحرب.
فى كتابه «حرب الأيام الستة: كسر الشرق الأوسط»، تناول جاى لارون، فى 384 صفحة من القطع المتوسط، وعبر 22 فصلًا بعد المقدمة، أسباب حرب 5 يونيو 1976، وكيف أنها كانت نقطة التقاء لاتجاهات إقليمية، ودولية، تتابعت بطرق متعرجة لتلتقى، وتقرع معًا طبول الحرب بصوت أقوى ووتيرة أسرع. كما كشف عن الأدوار الحاسمة التى لعبتها السياسات الأمريكية والسوفيتية فى مواجهة أزمة اقتصادية عالمية طاحنة، وكذا التشابكات الدولية التى جعلت المنطقة قنبلة موقوتة. وأهم ما جاء فى هذا الكتاب هو تأكيده أن تلك «الحرب» زرعت بذور سقوط القومية العربية، وأدت إلى نمو «التطرف الإسلامى»، وزادت من مبيعات الأسلحة الأمريكية والسوفيتية وأتاحت للدولتين حضورًا عسكريًا أكبر فى المنطقة.
من كتاب مهم آخر للفرنسى بيير رازو، المؤرخ المتخصص فى حروب الشرق الأوسط، عرفنا أن مائير عاميت، مدير المخابرات الإسرائيلية (الموساد) زار واشنطن، فى 31 مايو 1967، وأنه خلال لقائه بروبرت مكمنارا، وزير الدفاع الأمريكى، وريتشارد هيلمز، مدير المخابرات المركزية الأمريكية، حصل على الضوء الأخضر للهجوم على مصر، مع وعد بممارسة ما يكفى من الضغوط لمنع الاتحاد السوفيتى من التدخل. وستجد فى الكتاب عدة شهادات لخبراء فرنسيين أكّدوا فيها أن الإسرائيليين حصلوا على طائرات «فانتوم» أمريكية قبيل 5 يونيو 1967. ومن الكتاب نفسه، ومن مصادر أخرى، ستعرف أن ليلة 3 يونيو 1967، أقلعت طائرات الـ«فانتوم» من قاعدة رامشتاين فى ألمانيا متجهة إلى قاعدة «مورون» فى إسبانيا بحجة المشاركة فى تدريبات سرية لحلف شمال الأطلسى (ناتو). ومن هناك أقلعت إلى وجهتها الحقيقية، إلى قاعدة «هاتزيريم» الإسرائيلية فى صحراء النقب.
بدا، أيضًا، من تصريحات وتحركات هارولد ويلسون، رئيس الوزراء البريطانى، وقتها، أن بلاده تؤيد التوجه نفسه. مع أنه أدى إلى تلقى «الجنيه الإسترلينى» ضربة قاضية، ما جعل العدو الأمريكى (الإسرائيلى) ينتصر، فى تلك المعركة، على أربع جبهات لا ثلاث: مصر، وسوريا، والأردن، وبريطانيا. أما الاتحاد السوفيتى (رحمه الله) فقد ظل متفرجًا، وبعد أسبوع من الحرب، تقدم أندريه جروميكو، وزير خارجيته، بطلب انعقاد دورة استثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة، انعقدت فى 17 يونيو واستمرت حتى 30 يونيو 1967، تحدث فيها ممثلو 78 دولة، طار كل كلامهم فى الهواء، باستثناء وزير الخارجية الإسرائيلى الذى قال بالنص: «لن نعترف بأى قرار يطالبنا بالانسحاب إلى حدودنا السابقة، حتى إذا صوتت 121 دولة لصالح القرار». تأكد مجددًا، ودائمًا، أن قرارات الأمم المتحدة، التى كانت تضم وقتها 122 دولة، غير ملزِمة (بكسر الزاى) إلا حسب هوى أطراف بعينها. والهوى نفسه، هو الذى حال (ويحول) دون مساءلة أو محاسبة الدول التى ثبت، بشكل قاطع، أنها تدعم الإرهاب.
.. ولا يبقى غير الإشارة إلى أن خطة المواجهة (أو المجابهة) الشاملة، كما أعلن المتحدث العسكرى، فى بيانه الأول، بشأن العملية التى اختير لها اسم «سيناء 2018»، لها 4 أهداف هى: إحكام السيطرة على المنافذ الخارجية.. ضمان تحقيق الأهداف لتطهير المناطق من البؤر الإرهابية.. تحصين المجتمع المصرى من شرور الإرهاب والتطرف.. ومواجهة الجرائم الأخرى ذات التأثير. ونتمنى ألا تنسى أو تتجاهل أننا نحارب منذ سنوات ما لم نبالغ ولم نسخر حين قلنا إنه «منتخب العالم فى الإرهاب».