رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لمس أكتاف الملكة.. والمملكة!


بريطانيون انتقدوا الرئيس الأمريكى لمجرد قيامه بلمس كتف الملكة إليزابيث الثانية، مع أن السيدة الفاضلة «93 سنة» لم تعترض ولم تبدِ أى رد فعل، ومع أن التثبيت «Pin fall» حتى العد لثلاثة، هو ما يحقق الفوز فى المصارعة الحرة، وليس مجرد لمس الأكتاف لأرضية الحلبة!
تقرير نشره موقع «بيزنس إنسايدر» قال إن دونالد ترامب خرق بروتوكولًا ملكيًا بريطانيًا بوضع يده على كتف الملكة من الخلف، لأن البروتوكول يمنع لمس الملكة، إلا إذا قدمت يدها للشخص لكى يصافحها. وطبعًا لا يحق لنا (أو لك) الاعتراض، لأن تلك هى تقاليدهم التى وجدوا عليها آباءهم وأجدادهم. وفى ذلك ينصحك الحكماء بأنك لو حللت بأرض تعبد العجل «حِش وادِّيله»، أى اقطع البرسيم وقدّمه له.
الرئيس الأمريكى بدأ يوم الإثنين زيارة رسمية إلى بريطانيا، تستغرق ثلاثة أيام، بدعوة من الملكة، للمشاركة فى إحياء الذكرى الخامسة والسبعين لإنزال قوات أمريكية وبريطانية على شواطئ «نورماندى»، شمال فرنسا، خلال الحرب العالمية الثانية. فى حين يرى البعض أن سبب الدعوة الملكية هو إشراك الرئيس الأمريكى فى الجدل القائم حول رئيس الوزراء البريطانى المقبل، أو الاستماع لنصائحه بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبى، بأقل قدر من الخسائر.
فى اليوم الأول من الزيارة، أقامت الملكة مأدبة عشاء على شرف الرئيس الأمريكى، وانضمت عائلة ترامب إلى العائلة المالكة البريطانية على المائدة التى أقيمت فى قاعة الرقص بقصر باكنجهام، وبعد تناول العشاء قام ترامب، فى كلمة ألقاها أمام الحضور، بتوجيه الشكر إلى الملكة على حسن الضيافة، وعلى «الطقس الجميل»، ووصفها بأنها «امرأة عظيمة» ورمز للكرامة والمسئولية والوطنية، ثم تحدث عن الانتصار المشترك، والتراث المشترك والقيم المشتركة التى قال إنها ستحافظ على وحدة البلدين وعلى التحالف الراسخ بين الولايات المتحدة وبريطانيا. وبالمثل، أشادت الملكة بالعلاقات بين البلدين، وقالت إنهما قاما فى فترة ما بعد الحرب ببناء مؤسسات دولية للحفاظ على السلام الذى تم التوصل إليه بصعوبة.
المهم هو أن ترامب كان مستمتعًا بالعشاء وكتب فى حسابه على «تويتر» أن «الملكة وجميع أفراد العائلة المالكة رائعون»، وأكد أن «العلاقات مع المملكة المتحدة قوية جدًا». والأهم من تلك التغريدة ومن العشاء، هو أن الرئيس الأمريكى كتب فى تغريدة أخرى أنه «من المحتمل التوصل إلى اتفاق تجارى كبير بمجرد أن تتخلص المملكة المتحدة من قيود الاتحاد الأوروبى»، وأشار إلى أن الجانبين «بدآ هذه المحادثات بالفعل». ومن المفترض أن يكون ترامب قد ناقش، الثلاثاء، احتمالات التوصل إلى هذا الاتفاق خلال منتدى اقتصادى ومحادثات مقررة مع تيريزا ماى، التى ما زالت تترأس الحكومة البريطانية.
كلمة «ماى»، أمام المنتدى الاقتصادى، تم تسريب مقتطفات منها إلى وسائل إعلام بريطانية، وعرفنا من تلك المقتطفات أنها تركزت على أن الشراكة العظيمة بين بريطانيا والولايات المتحدة يمكن أن تكون أعظم «عبر اتفاق ثنائى للتجارة الحرة، مع تعاون اقتصادى أوسع نطاقًا، والاستمرار فى العمل معًا على صعيد تعزيز الاقتصاد الدولى والتأثير عليه وعلى قواعده ومؤسساته»، وطبعًا لن يكون لهذا الكلام، وللكلمة كلها، أى قيمة بعد 7 يونيو الجارى، الموعد المقرر لمغادرة «ماى» زعامة حزب المحافظين ورئاسة الوزراء. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن ترامب سبق وأعلن اعتزامه عقد اتفاق شامل للتجارة مع بريطانيا بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبى، وهو ما اعتبره أنصار الانسحاب واحدًا من أهم المكاسب. ويمكنك بسهولة أن تستنتج وجود اتفاق أمريكى بريطانى قديم، أو قديم جدًا.
منذ أيام، توقفنا أمام تحميل مسئولية التدخلات الخارجية فى الانتخابات الأوروبية لروسيا والصين فقط، واستبعاد دول أخرى، ثبت بشكل قاطع أنها استخدمت كل الطرق المشروعة، وغير المشروعة، للتأثير فى سياسات وانتخابات دول عديدة، دون تفرقة بين عدوّ وحليف، وقلنا بوضوح إننا نقصد الولايات المتحدة، وأشرنا إلى أن كل رؤساء الولايات المتحدة كانوا يدعمون الاتحاد الأوروبى، ويرون أن لهم مصلحة مباشرة فى «أوروبا قوية وموحدة»، لأنها على الأقل تمثل سدًا فى وجه القوة الروسية. فى حين يزعم الرئيس الأمريكى الحالى أن الاتحاد الأوروبى تم إنشاؤه «من أجل استغلال الولايات المتحدة»!.
مع كل الاحتمالات، تظل الحقيقة شبه المؤكدة هى أن بريطانيا تعيش حالة فوضى منذ ثلاث سنوات، لعجزها، سياسيًا واقتصاديًا، عن تنفيذ نتيجة استفتاء صوّتت فيه أغلبية البريطانيين لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبى.. وبينما لا نعتقد أن الرئيس الأمريكى تعمّد أن يلمس كتف الملكة، فإن هناك دلائل كثيرة تؤكد قيامه، جزئيًا، بتثبيت أكتاف المملكة على أرضية الحلبة، ودلائل أكثر تثبت نيته المبيتة للإجهاز على الاتحاد الأوروبى!