رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قتلوا آلاف المدنيين دون قصد!


العنوان الذى نشره الموقع العربى لهيئة الإذاعة البريطانية «BBC»، مساء الجمعة، ونقل فيه اعتراف التحالف الدولى ضد الإرهاب بـ«مقتل ١٣٠٠ مدنى عن طريق الخطأ فى العراق وسوريا منذ ٢٠١٤»، ليس صحيحًا أو على الأقل لم يكن دقيقًا. لأن البيان الصادر، عن التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة، أقر بأنه لا يزال ينظر فى ١١١ تقريرًا حول مقتل مدنيين، بالإضافة إلى ٧ تقارير وصفها بـ«غير الموثوقة» حول مقتل آخرين.
الخبر الذى لم يتجاوز ١٠٠ كلمة، نقلت فيه BBC، عن التحالف أنه نفذّ أكثر من أربعة وثلاثين ألف غارة منذ عام ٢٠١٤ حتى نهاية أبريل الماضى. واكتفت بإشارة عابرة إلى أن «جماعات مختصة بمراقبة تلك الحرب» قالت إن «آلاف المدنيين قتلوا فى ضربات جوية لمقاتلات التحالف». وعليه، فلن يلومك عاقل أو سوى، لو استدعت ذاكرتك عدد الكلمات أو التقارير التى تناولت فيها هيئة الإذاعة البريطانية تقارير منظمات تحت مستوى الشبهات عن «انتهاكات» مزعومة قامت بها قواتنا المسلحة خلال حربها على الإرهاب.
هنا، قد تكون الإشارة مهمة، أو لا تكون، إلى أن الخارجية الأمريكية أصدرت بيانًا، فى ٢٩ أبريل الماضى، بعد تداول مقطع الفيديو الذى ظهر فيه زعيم تنظيم داعش، ادعت فيه أن «التحالف الدولى سيواصل ممارسة الضغط لضمان هزيمة داعش وتقديم قادتهم إلى العدالة». فى بيان الجمعة جدد التحالف الذى ضم أكثر من ٧٠ دولة، تأكيده الاستمرار فى العمل «لحرمان داعش من السیطرة على أى رقعة جغرافیة وأى نفوذ فى المنطقة، وحرمانه أیضًا من الموارد التى يحتاجها فى محاولته للظهور من جدید».
المهم، هو أن قوة المهام المشتركة، أو ما توصف بـ«عملية العزم الصلب»، أجرت تقییمًا، حسب البيان، واستنادًا «إلى المعلومات المتاحة»، رجّحت «أن ما لا يقل عن ١٣٠٢ مدنى قتلوا دون قصد نتيجة لغارات التحالف». وغير تناول BBC، للتقرير فى ٩٦ كلمة، فقط لا غير، فاللافت، هو أن المنظمات الحقوقية المشبوهة، التى تصدر تقاريرها حسب الطلب، كـ«هيومن رايتس ووتش»، أو «بيتش»، لم تلتفت إلى هذا الرقم الضخم من المدنيين الذين زعم التحالف أنه قتلهم «دون قصد»، فى غاراته.
اللافت أيضًا، وما لم يعد يثير الدهشة، أن تلك المنظمات الحقوقية المشبوهة، لم تلتفت أيضًا، إلى نحو مليون و٢٠٠ ألف قتلتهم الولايات المتحدة خارج أرضها خلال الـ١٦ سنة الماضية. والأرقام من تقرير مشروع تكاليف الحرب، الصادر عن معهد واطسون للدراسات الدولية بجامعة «براون» الأمريكية، ولم يكن هدفه حصر ضحايا الحروب، بل حساب التكاليف، التى ذكر أنها ٥ تريليونات و٦٠٠ مليار دولار. مع ملاحظة أن الأرقام لم تشمل ضحايا الحروب الأمريكية فى سوريا وليبيا واليمن وفى دول أخرى كثيرة تلهو فيها القوات الأمريكية وتلعب، أو قوات تنظيمات وجماعات تحركها المخابرات الأمريكية.
لم يعد ذلك يثير الدهشة، بعد أن بات مؤكدًا أن تلك المنظمات المشبوهة، ووسائل الإعلام التى تقوم بالتخديم عليها، تحركها بالـ«ريموت كنترول» أجهزة مخابرات دول، ثبت بشكل قاطع أنها تدعم الإرهاب، تمويلًا وتسليحًا وتدريبًا. سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء، كـ«مجنون إسطنبول»، و«العائلة الضالة» التى تحكم قطر بالوكالة، والكيان الصهيونى. وهناك عشرات أو مئات الدلائل على رعاية تلك الدول، بمؤسساتها الأمنية والمخابراتية والإعلامية للإرهابيين، بدءًا من توفير الملاذات الآمنة لهم، مرورًا إلى منحهم ستارًا أو غطاءً سياسيًا وأيديولوجيًا، وليس انتهاءً بإعطاء صفة الكيانات السياسية لتنظيمات إرهابية يتيح الترويج لها إعلاميًا، ويسمح لها بالتغلغل فى المجتمعات، ويبرر ما ترتكبه من جرائم.
العلاقات القوية والوثيقة التى ربطت التنظيمات الإرهابية بالسلطات التركية، القطرية، البريطانية، الأمريكية، والإسرائيلية أيضًا، ستجد ما يؤكدها، فى اعترافات الإرهابيين أنفسهم. ويكفى أن تعود، مثلًا، إلى اعترافات عصام الهنا، المعروف باسم أبومنصور المغربى، القيادى فى تنظيم «داعش»، أمام قاضى التحقيق العراقى المختص بقضايا الإرهاب فى محكمة استئناف بغداد الرصافة الاتحادية. وكذا اعترافات حمد بن جاسم، رئيس الوزراء القطرى السابق، التى أكد فيها أن إمارته دعمت جماعات إرهابية فى سوريا، عبر تركيا، بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية وأطراف أخرى.
أخيرًا، ولو كنت ما زلت مندهشًا من قيام شبكة «يورو نيوز» بوصف الإرهابى هشام عشماوى، فى عنوان تقرير، بأنه «معارض بارز»، قبل أن تتراجع وتعتذر عن ذلك العنوان وقيامها بتغييره. لو كنت ما زلت مندهشًا من ذلك، نذكرك بأن الموقع العربى لهيئة الإذاعة البريطانية «BBC»، سبق أن نشر مقالًا للمدعو ويليام ماكانتس، وصف فيه أبوبكر البغدادى، زعيم تنظيم «داعش» شخصيًّا، بأنه مفاوض ماهر، وسياسى قوى، وعالم دين، ورجل ذو نسب نبيل!.