رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عنصرى.. ملحد.. وليس مسلمًا


لسنا، فقط، أمام «قرعة»، بفتح القاف، تحاول التباهى بشعر فتاة أنكرت، مرارًا، أنها بنت أختها أو بنت خالتها. بل نحن أيضًا أمام عقول فارغة تصر، جهلًا أو استسهالًا، على إقحام الديانة، أو الدين عمومًا، بشكل يثير الاستفزاز والاشمئزاز، فى شأن سياسى. وربما تخرج باستنتاجات أكثر سوءًا، مهنيًا وأخلاقيًا، لو تابعت الصيغة التى تعاملت بها صحف ومواقع إلكترونية، عربية، ومصرية، مع إعلان ساجد جاويد، وزير داخلية بريطانيا، فى حسابه على «تويتر»، اعتزامه الترشح لزعامة حزب المحافظين، وبالتالى لرئاسة وزراء بريطانيا.
الرجل نفسه، وبـ«عظمة لسانه» التى لا وجود لها، قال مرارًا وتكرارًا وفى مناسبات عديدة إنه لا يعتنق أى دين. كما نفى كونه مسلمًا بشكل قاطع فى تصريحات حادة، نشرتها كل صحف بريطانيا تقريبًا، فى ٢٠١٠، حين صار عضوًا فى مجلس العموم، وفى ٢٠١٢ حين نشرت جريدة الـ«جارديان» تقريرًا عنوانه «أول زعيم حزب سياسى مسلم فى بريطانيا»، أرسل جاويد ردًا نشرته الجريدة قال فيه: «أنا أنتمى لأصول باكستانية مسلمة لكننى (لا دينى) وبمعنى واضح (لا أعتنق أى ديانة)». وللـ«تليجراف» قال: «تراث عائلتى الأول هو الإسلام، أما أنا فلا أؤمن بوجود الله، لكننى أعترف بأن المسيحية هى ديانة دولة بريطانيا».
مع ذلك، لم تقتنع الصحف العربية والمصرية بهذا الكلام، وأصرت على وصف «جاويد» بأنه مسلم حين اختاره ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطانى السابق، وزيرًا للثقافة والإعلام والرياضة والمساواة. وكان العنوان المتكرر الذى اختارته غالبية الصحف العربية للخبر: «ديفيد كاميرون يعيّن مسلمًا وزيرًا للثقافة والإعلام والرياضة». وعلى كثرة «العجن» الذى حدث وقتها، فإن وكالة «أنباء الشرق الأوسط» (أ.ش.أ)، تفوقت على الجميع بزعمها، فى ٩ أبريل ٢٠١٤، أن جاويد هو «ثانى الوزراء المسلمين فى الحكومة البريطانية». وتكرر الشىء نفسه فى عناوين، كادت تتطابق، حين اختارته تيريزا ماى، فى أبريل 2018 وزيرًا للداخلية. ووقتها، اضطررنا إلى أن نتناول ملابسات اختيار «أول بريطانى من أصول مهاجرة»، تحت عنوان «عنصرى ملحد وزيرًا لداخلية بريطانيا!» وأشرنا إلى أن الاختيار كان محاولة لتدارك ارتباك الحكومة البريطانية فى التعامل مع أزمة (أو كارثة) مهاجرى الكاريبى، الذين وصفتهم وزير الداخلية السابقة (أمبر راد) بأنهم «مهاجرون غير شرعيين»!.
تكرّر تباهى القرعة بشعر مَن تبرأت منها، وأنكرت أنها بنت خالتها، وتجدّد الإصرار على جعل عنصرى ملحد مسلمًا بـ«العافية» أى بالإكراه، ورأينا، خلال اليومين الماضيين، عناوين من عينة: ساجد جاويد أول مسلم يعلن ترشحه لرئاسة وزراء بريطانيا (المصرى اليوم)، ساجد جاويد أقوى المرشحين لخلافة «ماى».. قد يكون أول رئيس وزراء مسلم (الوطن)، بينهم مسلم.. أبرز المرشحين لخلافة «ماى» فى رئاسة وزراء بريطانيا (بوابة فيتو)، ساجد جاويد.. أول مهاجر مسلم يتولى وزارة الداخلية البريطانية قد يصبح خليفة تيريزا ماى (صدى البلد)، مهاجر مسلم والده سائق حافلة قد يصبح رئيسًا لوزراء بريطانيا (العربية نت). و.... و... هناك أيضًا من قاموا بـ«التجويد» ونشروا أن المرشحين لخلافة ماى «بينهم مُسلم وآخر معاد للإسلام»، بزعم أن جاويد هو المسلم، وأن بوريس جونسون، وزير الخارجية السابق، هو المعادى للإسلام!.
جاويد، قال إنه ملحد، لا دينى، أو لا يعتنق أى ديانة. وهو فى رأينا عنصرى، ولن تكون مخطئًا لو وصفته بأنه صهيونى. إذ سبق أن نقلت عنه جريدة «يهود كرونيكل» فى ٢٠١٢: «إذا اضطررت إلى مغادرة بريطانيا للعيش فى الشرق الأوسط، فسأختار إسرائيل». كما كان جاويد وزيرًا لشئون المجتمعات والحكم المحلى، حين كانت السلطة الفلسطينية، والعرب عمومًا، يجددون مطالبتهم لبريطانيا بالاعتذار عن «وعد بلفور» الذى مهد لقيام ما توصف بـ«دولة إسرائيل» على الأراضى الفلسطينية، بدلًا من الاحتفال بذكراه المئوية، فى نوفمبر 2017. ووقتها، قال المذكور خلال المؤتمر اليهودى العالمى: «البعض يطالبنا بالاعتذار عن وعد بلفور، ذلك لن يحدث أبدًا». ونشير بالمرة إلى أن تيريزا ماى قالت أمام مجلس العموم البريطانى: «إننا نشعر بالفخر من الدور الذى لعبناه فى إقامة دولة إسرائيل».
أخيرًا، وسواء كان ساجد جاويد ملحدًا، مسيحيًا، يهوديًا، مسلمًا، أو بوذيًا.. وسواء كان والده سائق أتوبيس أو سائق قطار أو طائرة، وسواء كان من أصول باكستانية أو صينية أو مكسيكية، فما يعنينا، فقط، هو أنه عنصرى فى حكومة عنصرية. وتكون ساذجًا لو انتظرت منه أداءً مختلفًا، باستثناء بعض التصريحات، فى المساحة، المحدودة، التى يتاح له فيها التعبير عن وجهة نظره، أو أن «يفك نفسه بكلمتين»، لو أصبح رئيسًا لحزب المحافظين ثم رئيسًا للوزراء.