رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النداء الأخير


من حقك أن تغضب من وزير التربية والتعليم، الدكتور طارق شوقى، ومن حقك أيضًا أن تطالب بإقالته أو حتى بإعدامه.. ولكن أليس من الواجب أن تسأل نفسك ما جريمة هذا الوزير الذى تولى مسئوليته ونحن جميعًا- ولا أستثنى أحدًا- نشكو من تدنى مستوى التعليم فى مدارسنا، ونقول إن جميع أطراف العملية التعليمية خاسرون «أولياء الأمور والأبناء والمجتمع والمدارس»، وإن الرابح الوحيد هم مدرسو الدروس الخصوصية؟.
لقد جاء هذا الوزير ونحن فى المركز ١٢٩ فى جودة التعليم بين ١٣٧ من دول العالم، وفقًا لمؤشر المنتدى الاقتصادى العالمى لعام ٢٠١٧-٢٠١٨، عن التعليم والتدريب.. وهو مؤشر يتم تحديده وفقًا لعدة معايير من بينها جودة نظام التعليم، المؤسسات، البنية التحتية، بيئة الاقتصاد الكلى، الصحة والتعليم الأساسى، التعليم الجامعى والتدريب، كفاءة أسواق السلع، كفاءة سوق العمل، تطوير سوق المال، الجاهزية التكنولوجية، حجم السوق، تطور الأعمال، والابتكار.. أى أن مصر «أم الدنيا» فى أدنى ثمانى دول على مستوى العالم فى جودة التعليم، وهذه مأساة بكل ما تعنى الكلمة، ولذلك فإننا فى حاجة ماسة إلى أى مشروع للتطوير ولو كان متوسطًا أو حتى ضعيفًا.
وقد جاء الوزير بمشروع أو أفكار لتطوير التعليم، باعتباره خبير تعليم فى اليونسكو وعالم رياضيات وميكانيكا وعميد كلية العلوم والهندسة بالجامعة الأمريكية، ووضع برامج تطوير للتدريس والاتصال على مستوى عالمى.
والغريب أننا وجدنا الجميع يقفون فى وجهه، ويؤكدون فشله، وتحول الجميع من آباء وأمهات وطلاب ورواد الفيسبوك ورواد المقاهى الشعبية إلى خبراء فى التعليم يؤكدون أن الوزير فاشل.. ولا أدرى أين كانت كل هذه العبقريات ونحن نتراجع إلى الدرك الأسفل فى مقاييس جودة التعليم، وبعد أن أصبحت الدروس الخصوصية أهم من المدارس، كما ألغت هذه الدروس من الناحية الواقعية مبدأ مجانية التعليم، ولم تعد الدروس فى سنوات الشهادات فقط، بل أصبحنا مجبرين عليها من الصف الأول الابتدائى، كما أنها أصبحت شيئًا عاديًا فى مرحلة التعليم الجامعى.
كل هذا التراجع والتدنى التعليمى واضح تمامًا أمامنا، وكل البيوت المصرية تدركه وتعانى منه أشد المعاناة، ومع هذا لم نسمع أى شكاوى أو اعتراضات أو صرخات كالتى نراها ترتفع فى وجه وزير التعليم.. ومحاولاته للتطوير.
انتقدوا التابلت الذى وزعه، قالوا إنه يكبد ميزانية الدولة المليارات، وقيل إنه بسبب خطأ فى التعاقد يتكلف ٢٨٥ دولارًا، أى بنفس سعر السوق، وقد كان من الممكن أن تقل التكلفة لو تمت صناعة التابلت فى المصانع الحربية، وقيل إن التابلت ليس فكرته بل فكرة وزير سابق.. وهذه أشياء يمكن مناقشتها بهدوء، ولو كانت هناك أخطاء فيمكن تلافيها.. لكن الشىء المؤكد أنه تم توزيع التابلت مجانًا على عشرات الآلاف من الطلاب الفقراء، الذين كان امتلاكهم هذا التابلت حلمًا مستحيلًا، وربما تغيرت حياة ومسيرة الآلاف منهم بسبب هذه الخطوة.
هاج الكثيرون وماجوا بسبب سقوط السيستم فى المدارس، مع أن السيستم دائمًا «واقع» فى كل المكاتب الحكومية، وعبارة «آسفين يا أستاذ السيستم واقع» أصبحت وسيلة جديدة لتهرب موظفى الدولة من خدمة الجمهور، وبديل عصرى للعبارة الخالدة «فوت علينا بكرة يا أستاذ»، ولهذا أتساءل لم نصدق أن السيستم ساقط فى أغلب المدارس، لماذا لا تكون هناك حالات مفتعلة من مدارس ومدرسين ونظار يريدون إفشال مشروع الوزير، لأنه سيذبح دجاجاتهم التى تبيض لهم ذهبًا، وهى الدروس الخصوصية؟
أليس غريبًا أن نرى كل هذا النواح حول سقوط السيستم ونحن فى مرحلة تجريبية، خاصة أن تجربة الامتحان على التابلت فى سنة أولى ثانوى، والنجاح إجبارى، كما أكد الوزير؟.
أعرف أن السيستم وسقوطه أو نجاحه ليس مسئولية وزير التعليم وحده، فهو أيضًا مسئولية وزير الاتصالات، بل مسئولية الوزارة بأكملها، لأن تطوير التعليم مشروع قومى.. والمشاريع القومية يجب أن تحظى برعاية ومتابعة رئيس الوزراء أولًا قبل الوزير المختص.
أنا لا أدافع فى هذه السطور عن وزير التعليم، ولكنى أحاول الدفاع عن حق المسئول فى تغيير واقع سيئ ومؤلم، والدفاع عن حق أى مسئول يعمل بجد واجتهاد، فى أن يخطئ أو يصيب، فإذا أنجز حييناه، لأن الفائدة ستعود علينا جميعًا، وإذا أخطأ انتقدناه وقومناه وساعدناه بالرأى والأفكار حتى يواصل العمل والإنجاز.
ليس معقولًا أن نعاقب المجتهد على اجتهاده، ليس عيبًا أنه لم يفكر فقط فى الاستمتاع بأبهة المنصب وامتيازاته المعنوية والمادية، ليس معقولًا أن نصدر حكمًا بإعدام كل من يحاول التقدم الى الأمام، ونترك الكسالى والمهملين ليستمتعوا بجنى ثمار المناصب العامة فقط دون أن يقدموا شيئًا حقيقيًا لبلدنا.
الكل يعرف أن المدرسين وبعض موظفى الوزارة فى مقدمة من يهاجمون الوزير ومن يطالبون بإقالته، لأن اجتهاده ضد مصالحهم، خاصة من ينتمون إلى الجماعة الإرهابية، وما أكثرهم وما أكثر خططهم للسيطرة على العملية التعليمية، والتى مارسوها على مدى عقود.
خلاصة القول.. الدكتور طارق شوقى، وزير التعليم، أصبح فى مرمى نيران السيستم العقيم للحرس القديم فى الوزارة ومحترفى الدروس الخصوصية، خاصة فى المراكز أو «السناتر» كما يسمونها، والتى تجلب مئات الآلاف من الجنيهات شهريًا، ولناشرى الكتب الخارجية.. كل هؤلاء يسعون لإقالته أو حتى إعدامه معنويًا، ولو تركناهم يفعلونها لما جرؤ وزير آخر يأتى بعده أن يمضى ولو خطوة واحدة فى سبيل تطوير التعليم.