رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حياة النبى وليس عصره


يربط كثير من الناس، بشكل خاطئ، بين مفهوم البدعة وكل أمر مستحدث يعتقدون أنه مخالف للشرع والدين، حتى صار بنظرهم كل شىء بدعة، سواءً فى سلوك المسلمين أو فى عاداتهم، «حرام»، لأنهم يرون أن أى عمل لم يفعله النبى، صلى الله عليه وسلم، فى حياته فهو بدعة وضلالة لا يجوز فعلها، وكأنهم يصورون الإسلام على أنه ضد الحياة، أو أنه يرفض تطوراتها، ولا يساير متغيراتها.
ويحدث هذا نتيجة الخلط بين حياة النبى، طريقة حياته، صلى الله عليه وسلم، فى أخلاقه وأفعاله، وعصر النبى، أى الزمن نفسه الذى كان يعيش فيه، سواء ما يتعلق بطريقة الأكل والشرب والسكن والملابس والنقود والمعمار والبناء وغيرها.
كانت وقتها العملة المتداولة بين الناس عبارة عن دنانير مضروبة فى روما، ودراهم مضروبة فى فارس، ثم تطورت الحياة، فاستبدل الدينار والدرهم بورق «بنكنوت»، ثم شيكات، ثم «كريدت كارد».
كانوا فى عصر النبى يدخلون المسجد ويجدون حصى فيصلون بالنعال، أما الآن فندخل المسجد فنجده مفروشًا بالسجاجيد فنخلع النعال، وكان المحراب فى زمن النبى علامة جهة القبلة، فلما زاد عدد الناس جعلنا المحراب مجوفًا لكى يوزع الصوت حتى يصل لآخر المسجد بسبب التجويف.. نقول هذا لنبين أن بين الأمرين «حياة النبى وعصره» فرقًا شديدًا، فإن من يُرِد أن يعيش عصره الآن يوقف إرادة الله فى التغيير «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ»، يوقف التطور «يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ»، وإذا كنت تريد أن تعيش عصر النبى كأنك تقول إن الإسلام لا يصلح لكل زمان ومكان، لأنك تريد إيقاف الإسلام على عصر النبى.
أما حياة النبى فهى أخلاقه، أفعاله، رحمته، عفوه، خير، إصلاح، بناء، سلام، محبة، وهى التى يجب أن نعيش بها، لأنها المنهج لجميع الناس، يقول: «خيركم خيركم لأهله»، و«أفضل الناس إيمانًا أحسنهم أخلاقًا»، و«إن الله جميل يحب الجمال»، وحين قيل له أفلا تدعو على من أذوك يا رسول الله، فقال: «إنى لم أبعث لعانًا وإنما بعثت رحمة للعالمين.. إنما أنا رحمة مهداة».
حياة النبى كلها تطور، وبالتالى فإن المقصود بالبدعة فى الحديث «كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار» هو كل ما خالَف أُصول الشريعة، أو أمرًا قطعيًا فى الدين، مثل أن تصلى الظهر خمسًا من باب الزيادة للثواب مثلًا، فهذا مخالف لأصول الشريعة، أو أن تصلى صلاة الجمعة يوم الثلاثاء، فهذا مخالف لأمر قطعى فى الدين، وهكذا يصغر مفهوم البدعة جدًا فلا تصادم الحياة.
يقول أبوحامد الغزالى: «ليس كل ما أبدع منهيًا عنه، بل المنهى عنه بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمرًا من الشرع»، ويقول النووى: «وليس كل ما لم يكن فى زمنه (النبى) يسمى بدعة، لكن منها: ما يكون حسنًا، ومنها: ما يكون بخلاف ذلك». ويقول ابن الأثير: «البدعة بدعتان، بدعة هدى وبدعة ضلالة، فما كان فى خلاف ما أمر به رسول الله فهو فى حيّز الذم والإنكار، وما كان واقعًا تحت عموم ما ندب إليه وحض عليه فهو فى حيّز المدح»، وقال: «البدعة الحسنة فى الحقيقة سُنة، وعلى هذا التأويل يُحمل حديث (كل محدثة بدعة) على ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السُنة».