رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التدين الشكلى والفهم الخاطئ لجوهر الإسلام


«إنما بعثت لأتمم مكارم»، تلك هى الغاية الأسمى من رسالة النبى، صلى الله عليه وسلم، إلى الناس أجمعين، فهدف رسالة الإسلام هو الجوهر، وليس المظهر، ومن ذا الذى يملك الجرأة أن يُغير أولويات رسالة النبى، وهو الذى حدد هدف رسالته بالأخلاق، وقد أثنى الله عليه فى القرآن «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، أى دين عظيم، لأن الدين هو الخلق، كما يقول المفسرون.

ويتضح ذلك الهدف فى قول الله تعالى: «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ»، وفى الحديث «لا صلاة لمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر»، ويقول الله: «وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ»، أى استعينوا على مواجهات الحياة وتحدياتها.
لذلك على كل منا، أن يسأل نفسه، ما الأثر الإيجابى الذى تركته الصلاة فى داخلى، فى تعاملى مع الناس، فى حياتى، وعملى، فى كل شىء، لأن الإجابة على هذا السؤال هى التى ستحدد مدى وعيك بالهدف المقصود من أداء العبادة وتطبيقك له.
ليست الصلاة فحسب، بل فى الصدقة أيضًا.. يقول الله تبارك وتعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا». فإن هدف الزكاة هو التزكية، ومعنى التزكية هو التربية على حُسن الخلق. أرأيت كيف أن الزكاة هدفها أيضًا أخلاقى؟ فإن من يتصدق سيتعلم الرحمة وسيتعلم الكرَم.
والتصدّق لا يكون بالمال فقط.. هل سمعت من قبل عن الصدقات الأخلاقية؟ إنها صدقات لها مذاق خاص. يقول النبى: «تَبسُّمك فى وجه أخيك صدقة». إننا فى حاجة إلى فهم أحاديث النبى من جديد. إننا نحفظ هذا الحديث عن ظهر قلب. ولكن، هل نستشعر معناه؟ هيّا لا تبخل بالابتسامة، وتصدَّق.
والصوم أيضًا.. يقول النبى: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سَابّه أحد أو قاتله، فليقل: إنى امرؤ صائم». وتصل الأخلاق إلى ذروتها فى الحج. يقول الله تبارك وتعالى: «الحج أشهر معلومات، فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج».
إن الحج تدريب قاسٍ على انضباط الأخلاق، فإذا وفقك الله لأداء هذه الشعيرة، فكن حريصًا كل الحرص على حُسن الخلق.. لا تتكلم بصوت عالٍ، ولا تشتم أحدًا، ولا تسب أحدًا، ولا تظلم أحدًا، بل تبالغ وتزيد فى المبالغة لتحسين خلقك. ستمكث هناك 20يومًا تقريبًا فى انضباط كامل.
وإذا كان من الواجب على كل منا أن يراعى حقوق الله وواجباته، فإن مراعاة حقوق العباد لا تقل عنها.. بل إن الله عز وجل يسامح فى حقوقه، لكنه لايسامح فى حقوق العباد.. فالأزمة ليست أزمة تدين وصلاة وصوم ولكن أزمتنا أزمة أخلاق.. أمة الصادق الأمين هى الآن تحتاج إلى أخلاق الصدق والأمانة.. من يقول إن مشكلة الأمة غياب التدين مخطئ، لأن مشكلة الأمة هى غياب الأخلاق.
لكن الحقيقة الصادمة، أن هناك من بات يختزل سنة النبى فى مجرد الشكل والمظهر فقط، وغاب الفهم الحقيقى للإسلام عن كثير ممن يظنون أن الإسلام هو مجرد صورة شكلية، تتجلى فى المظهر دون الروح، بعد أن فهمت سنة النبى، خطأ على أنها الالتزام الشكلى أو التعامل المتشدد.
وقد أسهمت الكتابات الإسلامية المعاصرة فى ذلك، حيث إن 3% منها فقط تتحدث عن الأخلاق، بينما 40% يتكلم عن الشكل والمظهر، نتيجة لذلك هناك متدين سيئ الخلق- مصلٍ يكذب- حاج يسرق-ملتزم بالمظهر ويؤذى أهل بيته، وأصبح فى ظن البعض أن انتصار الإسلام يتم بالشعارات الدينية والهتافات الحماسية.
وفى حين نتغافل عن الجوهر الحقيقى للإسلام، المتمثل فى الأخلاق، فإن القرآن الكريم تحدث عنها فى أكثر مواضعه، ليؤكد لنا: أنه لا دين بدون أخلاق.. فمعظم آيات القرآن تدور حول الأخلاق، إذ تبلغ عدد آياته 6236 آية، منها 300 آية فقط؛ أى 5%من آيات القرآن تتعلق بفقه المعاملات والأحكام، بينما 95% من الآيات أخلاق مرتبطة بالعقيدة، وهو ما يوضح لنا القيمة العظيمة للأخلاق، وأنها أصل الدين ومحور رسالة الإسلام وغايته العظمى.