رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العرب وإيران.. معضلات الجغرافيا والتاريخ «1-2»



يبدو أن المنطقة مرشحة إلى الدخول إلى صيفٍ ساخن، إذ تزداد حدة التوتر فى المنطقة مع سياسة ترامب المتصاعدة فى تضييق الخناق على إيران، من خلال تفعيل العقوبات الاقتصادية وحظر تصدير النفط، عصب الاقتصاد الإيرانى، وهو الأمر الذى ردت عليه إيران، على لسان أحد قادة الجيش الإيرانى، بأن منع إيران من تصدير النفط عبر الخليج العربى سيكون الرد الإيرانى عليه هو إغلاق مضيق هرمز الذى يتحكم فى حركة الملاحة فى الخليج، وإذا حدث ذلك السيناريو فالحرب واقعة لا محالة، إلا إذا شمل الله المنطقة برحمته!.
وجدتنى أحاول تتبُع علاقات إيران، أو فارس- الاسم القديم- مع المنطقة العربية من خلال معطيات الجغرافيا والتاريخ.. والحق أن منطقة الشرق الأوسط ومنذ التاريخ القديم تتصارع على السيادة عليها ثلاث قوى كبرى، مع تغير المسميات عبر التاريخ، وهى مَنْ يحكم مصر، ومَنْ يحكم فارس والعراق، ومَنْ يحكم آسيا الصغرى، أو تركيا الحالية إلى حدٍ ما.. وتعتبر مناطق بلاد الشام مناطق نفوذ وتصارع أبدى بين القوى الثلاث، أما منطقة الخليج العربى فلم تكن لها أهمية تُذكر قبل اكتشاف النفط، سوى أنها ممر ملاحى مهم تحاول فارس دائمًا السيطرة عليه.
وتاريخيًا، يؤدى ضعف مصر إلى حدوث حالة من اختلال التوازن فى المنطقة، ويصب ذلك فى صالح القوتين الأخريين، وكثيرًا ما استغلت فارس ذلك الضعف لبسط سيطرتها، ليس فقط على بلاد العراق، بل على بلاد الشام أيضًا.. وفى بعض الأحيان يصل الأمر بالصلف الفارسى إلى ضرورة احتلال مصر نفسها، وهو ما حدث بالفعل مرات فى التاريخ القديم والوسيط.
وتجلى ذلك الصراع التاريخى التقليدى فى نهايات العصور الوسطى وبدايات العصر الحديث، فى صراع قوى الصفويين فى فارس والعراق، والعثمانيين فى آسيا الصغرى، والمماليك فى مصر وبلاد الشام، وأدى هذا الصراع إلى سقوط دولة سلاطين المماليك فى مصر وبلاد الشام، واستمرار الصراع بين الصفويين فى إيران التى أصبحت زعيمة العالم الشيعى، والدولة العثمانية التى أصبحت زعيمة العالم السُنى بعد سقوط مصر فى أيديها، وعانت المنطقة كثيرًا من هذا الصراع، لا سيما بلاد العراق التى أصبحت منطقة كر وفر بين الصفويين والعثمانيين.
كما دخل الخليج العربى بشدة إلى نطاق الصراع، ليس فقط بين العثمانيين والصفويين، ولكن المستجد كان دخول القوى الأوروبية للمنطقة فى العصر الاستعمارى للسيطرة على هذا الممر المائى المهم، الذى اُعتبر من الطرق التجارية الدولية.. من هنا سيزداد تشبث إيران بنفوذها على «الخليج الفارسى» من وجهة نظرها، «الخليج العربى»، وهى التسمية التى أراد العرب من خلالها مواجهة النفوذ الإيرانى فى المنطقة.