رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أين نحن من اليوم العالمى للكتاب؟


فى ٢٣ أبريل الحالى، احتفل العالم للمرة الرابعة والعشرين باليوم العالمى للكتاب وحقوق المؤلف الذى تم تدشينه فى باريس عام ١٩٩٥، للاحتفاء بفكرة القراءة والثقافة والمؤلف وفق آمال منظمة اليونسكو، ولكننا لم نسمع فى القاهرة بعمل أو نشاط ذى شأن للاحتفال بفكرة الثقافة والكتاب والعلم، وواصلت وزارة الثقافة انهماكها فى حفلاتها الموسيقية دون أن تقدم حتى كلمة بشأن وضع الكتاب والقراءة والنشر عندنا أو خطة محددة للنشر. هيئة الكتاب، وهى أكبر ناشر مصرى، لزمت الصمت التام ولم تقدم حتى كشف حساب بما تقوم به.
 اتحاد الناشرين المصريين الذى يضم ألفًا ومائتى ناشر مر على اليوم مرور الكرام، أما المركز القومى للترجمة فقدم تخفيضًا على أسعار مطبوعاته مع عدد من الندوات التى لا علاقة لها بقضايا ذلك اليوم العالمى، كما قامت بعض دور النشر الخاصة بتخفيض أسعار كتبها ليومين أو ثلاثة، وعقدت مكتبات أهلية ندوات لا علاقة لها باليوم، ناقشت فيها روايات نسائية، هذا فى الوقت الذى تظل فيه صناعة الكتاب فى مصر أمرًا محاطًا بالعتمة مع غياب البيانات والأرقام عامة والدقيقة منها خاصة. ومن البدهى أن قضية الكتاب والنشر واتساع مجال القراءة قضية تمس بشكل مباشر الحرب على التخلف والفكر المتطرف والإرهاب والتمييز الطائفى، لكن جهة واحدة لم تتصدَّ لوضع النقاط على الحروف لنعرف أين نحن من نشر الثقافة ورواج الكتاب؟، وكم ساعة يقرأ المواطن المصرى؟ وأين توزع الكتب؟ وما طبيعة تلك الكتب؟ وما عدد المكتبات التى لدينا؟ وأين يقع معظمها؟ كل تلك الأسئلة كانت أجدر بالندوات والنقاش والأوراق البحثية لو كانت لدينا وزارة ثقافة.
وإذا أخذنا بأرقام الجهاز المركزى للإحصاء، وهى الوحيدة المتوفرة، فإن عدد الإصدارات من الكتب بلغ فى عام ٢٠١٦ نحو مليونى إصدار، وعدد النسخ من تلك الكتب بلغ نحو أربعة وعشرين مليون نسخة، احذف من تلك النسخ نحو سبعة ملايين نسخة هى من الكتب الدينية، وبذلك يبقى لدينا ١٧ مليون نسخة موزعة على شعب من مائة مليون نسمة، ثم إن أرقام الجهاز لا تشير إلى عدد نسخ الكتب المدرسية التى تمثل رقمًا ضخمًا داخل الـ١٧ مليون نسخة! والآن انظر فى أرقام دار الكتب، حيث يتعين إيداع نسخ فيها من كل كتاب يصدر، وسنجد أن دار الكتب تشير إلى نحو أربعة وعشرين ألف كتاب عام ٢٠١٧، لكن الدار تتعامل مع أى إصدار ورقى على أنه كتاب بما فى ذلك الكتب التعليمية. اتحاد الناشرين ليس لديه أى أرقام دقيقة أو شبه دقيقة بشأن حجم صناعة النشر ورأس المال المستخدم فيها، هكذا نظل غارقين فى العتمة فى اليوم العالمى للكتاب، لا نجد إجابة عن الأسئلة التى تمس جوهر قضية التنوير، وجوهر مستقبل مصر، أى الثقافة وانتشارها، ونظل نلتقط البيانات من الخارج لنعلم، وفق تقرير للتنمية البشرية أصدرته اليونسكو، أن المواطن العربى يقرأ فى السنة أقل من كتاب، بينما يقرأ نظيره الأوروبى نحو ٣٥ كتابًا سنويًا، أما عن المكتبات فى مصر، فإن جهاز الإحصاء يرصد عدد المكتبات العامة ومكتبات الجامعات والمعاهد بـ١٤٤٠ مكتبة عام ٢٠١٧، وإذا واصلت تقسيم هذا العدد من المكتبات على مائة مليون مواطن مصرى، فستخرج بنتيجة أن هناك مكتبة واحدة ونصف مكتبة لكل مائة ألف نسمة! أضف إلى ذلك أن تلك المكتبات تقع كلها فى المدن الكبرى وليس فى الريف أو الصعيد، حيث توجد ٤٧٤٠ قرية تتبعها ٣٠٨٨٨ عزبة ونجعًا تمثل ٥٧٪ من سكان مصر. يقول الكاتب الألمانى العظيم بريخت: «أيها الجائع، تناول كتابًا، إنه أيضًا سلاح»، وقد كان الكتاب على مدى التاريخ سلاحًا رئيسيًا فى الصراع ضد التخلف وفى الحرب على التطرف، منذ أن ظهرت الطباعة من نحو خمسة قرون، وما زال الكتاب يمثل أهمية قصوى لمستقبل مصر، وكانت قضاياه جديرة بنقاش جاد وأوراق بحثية وإحصاءات وخطة لتطوير ونشر القراءة فى المدارس وغيرها، على الأقل بمناسبة اليوم العالمى للكتاب وحقوق المؤلف التى لم نتطرق إليها بحرف، لأنه لا حقوق للمؤلف عندنا وهذه قضية أخرى.