رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جمعة ختام الصوم


قد يكون مناسبًا، ومواطنونا الأقباط، اليوم الجمعة، يعيشون ويمارسون شعائر وطقوس «جمعة ختام الصوم الروحية» فى كل كنائس المحروسة، أن نقترب من بعض ملامحها، فى إطار دعم التعريف بأيام لها قداسة روحية لدى المسيحيين، وقد وصف قداسة البابا شنودة الثالث تلك المناسبة، وكل أيام أسبوع الآلام بأنها الأقدس روحيًا وتحمل ذكريات هى الأهم التى ينبغى التعلم والتأسى برسائلها.
قد يسأل البعض: لماذا سميت جمعة ختام الصوم، على الرغم أننا نصوم بعدها؟.. لقد سُميت هذا الاسم لأنها بالفعل تمثل نهاية الأربعين يومًا التى صامها السيد المسيح بعد حذف صوم الاستعداد، سنكون قد صُمنا حتى يوم الأحد «أحد التناصير» خمسة أسابيع تساوى ٣٥ يومًا، فإذا أضفنا إليها الأيام الخمسة «الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة» ستكون الجمعة هى جمعة ختام الصوم.
أيضًا فى جمعة ختام الصوم، يتم عمل «سر مسحة المرضى».. ولبيان العلاقة بين تلك المناسبة ومسحة سر المرضى، فالأمر يعود إلى قيام الكنيسة القبطية بطبخ وعمل «زيت الميرون» يوم «جمعة ختام الصوم»، والميرون أصله الحنوط الذى وضعه يوسف ونيقوديموس على جسد المخلص بعد موته على الصليب وقبل دفنه ثم لفّاه بكتان، أى أن الحنوط كان ملتصقًا بجسد المسيح المُسجى فى القبر، وأيضًا كان على الجسد القائم من الموت.
واليوم خاطب السيد المسيح أورشليم «أورشليم أورشليم... كم مرة أردتُ أن أجمع أولادك... ولم تريدوا». نادى عليها وبنغمة الحب الإلهى والإلحاح الروحى العظيم، حتى تقتنى خلاصها ولا تضيع فرصتها الأبدية.. نادى كل أورشليم كى تعود عن غيّها وشرها وعنادها، وكى تتوب وترجع إليه.
وبمناسبة بداية أيام الآلام، نقترب من بعض أحد أهم مشاهد أحداثها عند إجراء محاكمة السيد المسيح أمام بيلاطس البنطى الحاكم الرومانى ليهوذا، وعن بعض التفاصيل رفع «بيلاطس» التقرير الشهير إلى «القيصر تبيريوس»، وأورد هنا وأتوقف عند بعض السطور.
إلى صاحب السمو الملكى، تحية.. إن الأسباب التى أدت إلى هذا الاضطراب فى أورشليم ربطًا بموت يسوع الناصرى والأحداث، التى جرت فى بضعة الأيام الماضية، هى ذات طابع معين، بحيث تلزمنى بأن أرفع بها تقريرًا مُفصلًا. لن أتفاجأ أبدًا إذا كان مصير شعبنا لم يتبدل كليًا خلال هذا الوقت، لأن كل الدلائل مؤخرًا تُشير بأن الآلهة لم تعد ترحم، وهآنذا مستعد للقول: «ملعون هو اليوم، الذى تبعت فيه فاليريوس غراتسيوس إلى ولاية اليهودية».
ويواصل «بيلاطس»: من بين الأخبار الكثيرة التى وصلت أسماعى، خبر نال اهتمامى الشديد.. يقول الخبر إنه ظهر فى الجليل شاب، يقوم بتفانٍ وبروح قوية بالدعوة إلى قانون جديد باسم إلهه، الذى أرسله.. فى البداية خشيت أن يكون أحد المتمردين يعمل على تحريض الشعب ضد الرومان. ولكن بعد وقت وجيز هدأ روعى. فيسوع الناصرى، كما كان يسمى ذلك الشاب، كان بالأحرى يتكلم فى مصلحة الرومان أكثر مما هو فى مصلحة اليهود. وحينما كنت فى أحد الأيام مارًا فى محلة تسمى سيلوبيا، شاهدت جمعًا كبيرًا من الناس، وفى وسطهم شاب جالس على الأرض ومستند إلى شجرة، وبوضوح ودعة كان يعظ الشعب، وقيل لى إن هذا هو يسوع. وكانت اللوحة تبدو تمامًا كما كنت أتصور أن أراها. لم يكن من مجال للمقارنة بينه وبين الشعب. كان شعره ولحيته أشبه شىء بظاهرة سماوية. وكان يبدو فى حوالى الثلاثين من العمر. فى حياتى كلها لم أكن التقيت نظرة لطيفة وواضحة كنظرته، كم كان الفارق شاسعًا بينه وبين مستمعيه، الذين كانوا ذوى لحى سوداء وجباه متغضّنة.. ولعدم رغبتى فى مقاطعته بحضورى، تابعت طريقى، ولكننى أمرت أمين سرى أن ينضم إلى الجمع وأن يستمع إلى ما يجرى من الحديث. واسم أمين سرى هو «مانيليوس»، وهو حفيد رئيس قسم مكافحة التآمر والتجسس، الذى سبق له أن اختبأ فى إيتوريا، منتظرًا كاتيلينا. ومانيليوس هو مقيم قديم فى اليهودية، ويتقن جيدًا اللغة اليهودية. وهو مخلص لى ويستحق الاهتمام. وعن تفاصيل بداية مشهد المحاكمة: «ولدى دخولى قاعة المحكمة، قابلنى مانيليوس الذى ذكر لى حرفيًا الكلمات التى سمعها من يسوع فى سيلوبيا. قال: لم يسبق لى أبدًا أن قرأت فى كتب الفلسفة شيئًا يمكن مقارنته بمواعظ يسوع. لقد سأله أحد المتمردين اليهود: هل يصح أن تدفع الضريبة إلى القيصر؟ فأجاب يسوع: اعطوا ما هو لقيصر لقيصر، وما هو لله لله. وبسبب حديثه العاقل تحديدًا، عملت للحصول على حرية الناصرى، لأنه كانت لى السلطة أن أعتقله وأرسله إلى بونتيو. ولكن هذا كان من شأنه مخالفة الحقيقة، التى تميز بها الرومان على الدوام».
ويتابع بيلاطوس: «لم يكن هذا الشخص أبدًا مُتعصبًا، ولا مُتمردًا، ولهذا السبب أنا منحته حمايتى. وربما لم يكن دفاعى هذا عنه معروفًا لديه. كانت له الحرية فى أن يعمل، أن يتكلم، أن يعقد الاجتماعات، أن يعظ شعبه وأن يختار تلاميذه دون أن يعوقه أى أمر صادر من القصر. وإذا ما حدث لتحمنا الآلهة، إذا ما حدث هذا النذير، أقول، إذا ما حدث أن تستبدل ديانة أجدادنا بديانة يسوع، فهذا الشىء يعود إلى التسامح النبيل من قبل روما، وهو التسامح الذى أنا، البائس التعيس، أبديته نحوه، وهو الأمر الذى يسميه المسيحيون العناية الإلهية، أما نحن فنسميه القضاء والقدر. ولكن هذه الحرية المطلقة التى أعطيت ليسوع، قد استثارت ليس الطبقة الفقيرة، بل الأغنياء والأقوياء. والحقيقة أن يسوع كان صارمًا جدًا حيال أتباع العقيدة اليهودية القديمة، وهذا، حسب رأيى، كان سببًا جيدًا لحصول الناصرى على الحرية». «الكتبة والفريسيون» كان هو ينعتهم: «أنتم أبناء الأفاعى، أنتم تشبهون القبور المطلية بالكلس». وفى مناسبات أخرى كان يفضحهم لأجل مناصبهم الفخرية والتبرعات السخية للأغنياء، ويقول لهم: «إن فلسى الأرملة هما أثمن من المبلغ الوفير الذى يعطونه هم».. وحول مشاهد أخرى على هامش أسبوع الآلام للمقال تتمة.