رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحوار المجتمعي.. ماله وما عليه


جميعنا كان يتابع تلك الجلسات التي تدور في مجلس النواب بشأن التعديلات الدستورية والتي تقدم بها عدد كبير منهم مطالبين بإدخالها على دستور 2014 من منطلق ان هذا الدستور قد تم وضعه في ظروف استثنائية كانت البلاد تمر بها بعد اسقاط حكم الاخوان الارهابيين برغبة شعبية جارفة وانتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي لقيادة سفينة الوطن... وقد بلغ عدد تلك الجلسات 6 جلسات عقدت على مدار 15 يومًا شارك فيها العديد من رجال الصحافة وأساتذة الجامعات والقانون ورجال الأحزاب السياسية والقضاء والشخصيات العامة والمجتمع المدني ورجال الاقتصاد والنقابات والمجالس القومية...وجميعهم تقريبًا ايدوا فكرة التعديلات مع وضع بعض الملاحظات التي لن تؤثر بشكل او بأخر على صلب المواد المطلوب تعديلها او استحداث واضافة مقترحات تدور في ذات الاطار.
ونحن هنا لن نناقش او نتعرض لتلك التعديلات حيث أرى ان هناك من هم أجدر منى في تناولها.... كذلك فانه من المنطقي ان ننتظر الصياغة النهائية التي سوف تقوم بها اللجنة التشريعية والدستورية بعد مراجعة الملاحظات التي أثيرت اثناء مناقشة تلك التعديلات حيث أشار الدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب انها سوف تؤخذ في الاعتبار عند وضع الصورة النهائية لها قبل عرضها على المجلس ثم رئاسة الجمهورية واخيرًا في استفتاء شعبي ليقرر أبناء الشعب ما يراه وما يحقق له مصلحة البلاد والعباد خاصة على ضوء المرحلة المهمة التي يمر بها الوطن حاليًا من تحديات غير مسبوقة داخليًا وخارجيًا....وكلها أمور تجعلنا جميعًا نتمسك بوحدتنا وقائدنا وان نعلى شان وطننا ونقف في وجه تلك التحديات الى ان نحقق الأمان والاستقرار المنشود ليتسلم الراية من بعدنا شبابنا لاستكمال مسيرة البناء والتنمية.
وعندما استعرضت تلك الشخصيات والكيانات التي شاركت في جلسات الحوار المجتمعي وجدت انها تحظى باحترامنا جميعًا لما تمثله من ثقافات واهتمامات مختلفة...ولم يبذل السيد رئيس المجلس جهدًا كبيرًا في إدارة تلك الجلسات وشهد له الجميع بحسن الإدارة والاهتمام والانصات لكل الأفكار والمقترحات التي أثيرت لأنها صادرة من شخصيات...كما ذكرنا...لها وضعها في المجتمع على كافة الأصعدة...وهنا وجدتني أتساءل
...وماذا عن فئات الشعب المختلفة التي من المفترض ان تدلى بصوتها في الاستفتاء على تلك التعديلات؟.... هل لديهم الدراية الكاملة بالمقصود منها والمبررات التي جعلت البرلمان يطرحها على بساط البحث من خلال ذلك الحوار المجتمعي؟ هل لديهم المعرفة الكاملة بالمواد المطلوب تعديلها او ادخال بعض المستجدات عليها؟ هل لديهم الاستعداد للمشاركة في هذا الاستفتاء؟
تساؤلات كثيرة طرحتها على نفسى.... وعلى قياداتي في حزب حماة الوطن...وقررنا ان نقوم بجولات شعبية الهدف منها مخاطبة أبناء الشعب الحقيقي وليس النخبة فقط...ابناء الشعب من العمال والفلاحين والطلبة والبسطاء الذين يتأثرون أكثر من غيرهم بأي محاولات تؤثر على استقرار الوطن خاصة فيما يتعلق باحتياجاتهم الحياتية بمختلف اشكالها من توافر فرص للعمل وكذلك المواد الغذائية والاحساس بالأمان عليهم وعلى أبنائهم..... وغيرها من المتطلبات الطبيعية التي ينشد الانسان العادي الى توافرها والحصول عليها.
وكانت نقطة البداية من حدودنا الجنونية حيث حلايب وشلاتين وابورماد وكان اختيارًا عبقريًا للوقوف على مدى اهتمام أهلنا في ابعد نقطة حدودية للوطن جنوبًا بما يدور في العاصمة وفى مجلس النواب وبين النخبة وفى وسائل الاعلام.... وكم جاءت المفاجأة ونحن نتابع تلك الندوة الثقافية التي عقدت هناك على مدى يومين متتاليين...حيث كانت المناقشة والتساؤلات في منتهى الدقة والموضوعية بشكل لم أكن اتوقعه.
وسوف اطرح على حضراتكم جانب من تلك التساؤلات كي تقفوا بأنفسكم على مدى الوعي الفطري والثقافة والموضوعية في الحوار والتي جاءت على النحو التالي...
لماذا رفض حزب النور عبارة "مدنية الدولة" عند مناقشة التعديلات في المجلس؟ لماذا لم يتم التمهيد للرأي العام بضرورة احداث بعض التعديلات على الدستور قبل طرحها حتى لا يساء فهم الفرص منها وكيلا تشكك جماعات الشر والمتربصين في نوايا القائمين بتلك التعديلات؟ لماذا هذه المواد تحديدًا بغض النظر عن قبولها من حيث المبدأ خاصة وان هناك موادًا أخرى كان من المفترض ان يتم تعديلها؟
لماذا لا نتعرض لكل تعديل على حدة للوقوف على عيوب المادة المراد تعديلها ثم مزايا التعديل المقترح لان معظم الشعب لن يستطيع هضم او قبول التعديلات دفعة واحدة الا إذا تفهمها واقتنع بها؟ لماذا لا نختار شخصيات مقبولة شعبيًا وجماهيريًا واعلاميًا لتتولى شرح ابعاد وأسباب تلك التعديلات بشكل حيادي وموضوعي بعيدًا عن الطنطنة الإعلامية والابواق المستهلكة؟
في الحقيقة كم كانت سعادتي ونحن نجيب على تلك التساؤلات الواحد تلو الاخر...وكم كنت فخورًا بأبناء وطني من اهل الجنوب وهم يطرحون تلك التساؤلات المحترمة والموضوعية التي تؤكد على مدى وعيهم وثقافتهم واهتمامهم بشئون وطنهم بالرغم من بعدهم الجغرافي عن مركز صنع واتخاذ القرار..
والغريب اننى رأيت البعض منهم يحمل معه دستور 2014 كاملًا وهو يتناقش مع مسئولي الحزب وهم ايضًا من أبناء الجنوب ويرى ان هناك موادًا أخرى كان من الواجب مناقشتها وتعديلها بما يتناسب مع طبيعة المرحلة الحالية والرؤية المستقبلية ايضًا كي لا نتعرض مرة أخرى لإجراء تعديلات جديدة بحيث لا نعطى الفرصة للمتربصين ومدعى حقوق الانسان ان يشككوا او يلجأوا الى الخارج ويعلنون تمسكهم بالدستور دون اجراء أي تعديلات متناسيين ان هذا الدستور من صنع البشر وليس كتاب منزل من رب البشر وان اجراء تعديلات به ما بين كل مرحلة ومرحلة امر طبيعي نظرًا لتغيير ظروف الحياة والمجتمعات من الداخل والدول والأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية والتي من الطبيعي ان تتغير طبقًا لتلك المتغيرات وهو ما قامت به دول كبيرة بالفعل مثل فرنسا التي عدلت دستورها 24 مرة....والولايات المتحدة 26 مرة وألمانيا 62 مرة...بل ان دولًا غيرت نظام الحكم فيها من جمهورية الى ملكية والعكس...ودول أخرى من نظام برلماني الى رئاسي او مختلط بين هذا وذاك والعكس ايضًا.
لقد شعرت باننا نحن من استفدنا من هذا اللقاء وليس هؤلاء الذين اجتمعنا معهم...وتعلمنا منهم معاني كثيرة أبرزها انه مهما بعدت المسافات وصعبت الاتصالات فان الانتماء والولاء للوطن لا يتأثر بذلك ابدا بل انه على العكس تماما فلربما كان ذلك ادعى لكي يهتم أهلنا هناك في تلمس الاخبار والوقوف على أي احداث او تطورات تتعلق بالوطن...وقد ظهر ذلك جليًا من خلال تلك الأسئلة التي تعرضنا لها والتي لم تكن واردة في اذهاننا في بداية تلك اللقاءات.
وسوف ننطلق خلال الأيام المقبلة بإذن الله في معظم ربوع البلاد لنناقش ونعرض الأفكار التي تم طرحها في جلسات مجلس النواب بحيث يكون عرضها على باقي فئات الشعب بشكل مبسط وموضوعي حتى يتحقق للجميع القناعة الكاملة لمدى أهمية تلك التعديلات وضرورة المشاركة في التصويت عليها طبقًا لمدى قناعة المواطن بها سلبًا ام ايجابًا فهذا حق يكفله له الدستور.
وللحديث بقية....وتحيا مصر