رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بلادى.. بلادى.. الشيخ يونس القاضى


عمل يونس القاضى بالكتابة فى أشهر الصحف لا سيما «اللواء» و«المؤيد» كما كتب العديد من الأغانى التى قام بتلحينها كبار الملحنين
مَنْ مِنا لم يُردِّد نشيد «بلادى بلادى» فى لحظات الانكسار وأيضًا فى لحظات الثورات، وحتى فى لحظات الفرح بانتصار الفريق القومى؟! يا لها من لحظات شجن تختلط فيها دموع الفرح بدموع الحزن أحيانًا، ولكن يبقى فى النهاية الأمل، ما دام النيل ودامت مصر.
هناك بعض الأغانى الخالدة فى الذاكرة الجماعية للشعوب نظرًا لارتباطها بأحداث تاريخية جماهيرية.. ربما نجد ذلك على سبيل المثال فى نشيد «لا مارسييز» وارتباطه بالثورة الفرنسية، كما نجد ذلك أيضًا فى نشيد «بلادى بلادى»، هذه الجملة العبقرية التى خرجت على لسان الزعيم مصطفى كامل مع نشوء الحركة الوطنية فى مطلع القرن العشرين، هذه الجملة العبقرية ستتحول بعد ذلك إلى نشيد خالد فى الذاكرة المصرية على يد الملحن العبقرى، فنان الشعب، «سيد درويش»، كما سيرتبط هذا النشيد بأحداث الثورة الأم، ثورة ١٩١٩.. ولكن ربما يجهل الكثيرون من هو المؤلف العبقرى لهذا النشيد، الذى سيصبح بعد ذلك السلام الوطنى لمصر.
مؤلف هذا النشيد هو الصحفى والكاتب المسرحى ومؤلف الأغانى والزجَّال العبقرى «الشيخ يونس القاضى»، الذى للأسف لم يأخذ حقه من التقدير الكافى.. ولد الشيخ محمد يونس القاضى بحى الدرب الأحمر فى القاهرة فى عام ١٨٨١، وكان أبوه قاضيًا، ومن هنا جاءت شهرة العائلة بـ«القاضى»، التحق يونس القاضى بالأزهر وتخرج فيه، وانخرط مبكرًا فى الحياة العامة، ودخل إلى معترك السياسة، وأُعجب مثل شباب عصره بشخصية مصطفى كامل، والتحق بالحزب الوطنى.. من هنا يأتى تأثره بخطب مصطفى كامل، والعبارة العبقرية التى ألقاها فى إحدى خطبه الشهيرة «بلادى.. بلادى.. لكِ حبى وفؤادى».
عمل يونس القاضى بالكتابة فى أشهر جرائد ذلك الوقت، لا سيما «اللواء» و«المؤيد»، كما كتب العديد من الأغانى التى قام بتلحينها كبار الملحنين، آنذاك، مثل كامل الخلعى وداود حسنى، لكنه تميز مع سيد درويش، كما عمل يونس القاضى بعد ذلك مع محمد عبدالوهاب وزكريا أحمد وغيرهما.
ويصل يونس القاضى إلى الذروة مع لحظات الصعود الوطنى أثناء ثورة ١٩١٩، وعندما تمنع السلطات الإنجليزية الجماهير من الهتاف باسم سعد زغلول، يلجأ يونس القاضى إلى ما يعرف بـ«المقاومة بالحيلة»، حيث يؤلف الأغانى التى يضع فيها اسم سعد زغلول لترددها الجماهير، وكان أشهر تلك الأغانى:
يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح
يا زرع بلدى عليك يا وعدى
يا بخت سعدى زغـلـول يـا بلح
كما يؤلف أيضًا أغنية «أهو ده اللى صار»، حيث يقول فيها:
مصر يا أم العجايب سعدك أصيل والخِصم عايب
كما يكتب أغنية «حب الوطن فرض علىَّ»، وكذلك يغنى للاقتصاد الوطنى، «قرش المصرى»:
إمتى بقى نشوف قرش المصرى يفضل فى بلده ولا يطلعشِ
يستمر يونس القاضى فى الإبداع والكتابة، ولكن حياته تسوء فى أيامه الأخيرة، حيث يتوفى أولاده، ويُصاب بالمرض، ويموت فى شهر يونيو من عام ١٩٦٩.
تحية لذكرى الشيخ يونس القاضى، صاحب النشيد الوطنى، ورفيق سيد درويش فنان الشعب والثورة، وتحية خاصة للدكتورة بنت النيل «إيمان مهران» على إصدارها هذا الكتاب القيّم «حكاية الشيخ يونس القاضى».