رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بيان المطرانية وعلامات استفهام



قال بعضهم للأسف، إن مبادئ الرهبنة مبادئ هدّامة، وإنها أضرت بالكنيسة، وإن هناك تناقضًا بين الفكر الرهبانى السقيم والفكر المسيحى المستنير فى نظرة كل منهما تجاه: المرأة- العالم-الجسد- الزواج- الخلاص.. وقالوا أيضًا إن تعاليم الرهبنة متطرفة، وسير آباء ومعلمى الرهبنة منحرفة، ومليئة بالكبت والشذوذ والأمراض النفسية وأحيانًا العقلية أيضًا ابتداءً من أنطونيوس، مؤسس بدعة الرهبنة، على حد أقوالهم وتعريفاتهم الكريهة!
هكذا، وبكل سذاجة ورعونة كال البعض العديد من الاتهامات الظالمة للرهبنة.. لقد جاء عصر الرهبنة فى الكنيسة القبطية كمفهوم وممارسة تاليًا لأزمنة التبشير والاستشهاد، وكانت الشهادة بالسيد المسيح فى البداية بالتصعيد فى مواجهة أحكام الوثنية المضطهدة للمسيحية التى حاولت بدورها الإجهاز على المسيحية، ولكن الانتشار بغلبة الجانب الروحى وفق تفعيل حياة القداسة التى عجز أهل الشر عن اختراقها، وبصلابة وثبات تأييد لاسم المسيح بمقاومة الضيقات، وعندها عاش المسيحيون بروح القداسة ويقين الإيمان القوى بلا تزعزع حتى انهارت الوثنية.
ولم تكن الرهبنة هروبًا بل حبًا، وما كانت حياة سلبية، بل إيجابية مركزة، إنها انطلاق النفس فى فعل التسبيح.
الرهبان منذ البداية هم جماعة قرر تابعوها التفرغ لحياة التواصل مع الخالق العظيم، بعد التخلى عن كل ما يعطل التفرغ لخدمة التحدث إلى القدوس وجندوا أنفسهم لذلك متخلين عما يعوقهم من مشغوليات الأسرة وإعالتهم.
هم يمارسون عمل العبادة بشكل متواصل، وما يلزمه من متطلبات نسكية وطقسية.. ولا انشغال إلا بأمر عبادة الله، وما اهتمامهم بالعمل اليدوى إلا لكى يأكلوا خبزهم بعرق جبينهم، وهم يمارسونه بلا أى أطماع دنيوية مهما كانت المغريات..
أوافق الكاتب والباحث الرائع د. ماهر عزيز فى تعريفه لواقع الرهبنة، يقول: هنالك من واقع السذاجة التى درجت عليها الغالبية-على سبيل المثال- باعتقاد جازم أن مجتمع الرهبنة هو مجتمع مقدس.. صار يتحكم فى تصوراتنا الخيالية المفعمة بالغيبية والظواهراتية اعتقاد صارم بقداسة للديرية قد تبلغ حد الألوهية.. رغم ما يؤكده الواقع من أن الديرية ما هى إلا عالم مصغر حافل بكل خطايا البشر.. وكل مزاياهم أيضًا.. عالم حقيقى كالعالم خارج أسوار الدير سواءً بسواء.. غارق فى الطبيعة البشرية.. ملتصق بها أبدًا وليس منزهًا عنها.. عالم بشرى قح.. وليس عالمًا سماويًا كما بلغت البلاهة بالناس ليعتقدوا.. عالم من بشر قد تبعدهم أقل الهنَّات عن السواء.. وقد تجعلهم أقل الخطايا كالعائشين ضد الحياة، وضد الموت أيضًا.. لكن مجتمع الرهبنة هو مجتمع خاص لا يَصَحُّ أبدًا إلا لقلة قليلة جدًا يتعين أن يكونوا حسب قول يسوع قد «خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ» (مت ١٩- ١٢). وهؤلاء قلة نادرة جدًا.
ولا أوافق على ما جاء فى بيان الأنبا أغاثون الذى نشرته صفحة مطرانية مغاغة والعدوة الرسمية على «فيسبوك»، والذى وضع له عنوان «فاجعة الحكم على راهبين من دير القديس أبومقار الكبير ببرية شهيت..» تحدث الأنبا أغاثون عن الراهبين، متناسيًا أن المتهم الأول إشعياء المقارى تم تجريده بقرار من البابا تواضروس ولجنة شئون الرهبنة والأديرة، عقب استشهاد الأنبا أبيفانيوس، وقبل أن توجه له جهات التحقيق، التهمة رسميًا بقتل الأنبا أبيفانيوس.. «رسميًا.. الكنيسة كانت قد جردت الراهب إشعياء المقارى».
وجاء فى البيان أن «الحكم الذى صدر على الراهبين، أنه حكم ليس فقط ضد الراهبين، بل ضد عموم الرهبان والكنيسة القبطية كلها»، وأوضح: «لأننا كنا نتابع باهتمام مرافعة المحامين بالمحكمة، الذين عددوا فيها أدلة براءتهما من تهمة قتل أسقف الدير»، وأضاف أن «هذا الحكم تسبب فى صدمة وفاجعة لا مثيل لهما، للرهبان جميعًا والإكليروس خصوصًا، ولبقية الأقباط بصفة عامة فى الداخل والخارج».
ولى علامات استفهام أتمنى أن تجد ردًا لدى الجهات المعنية وذات العلاقة بمسئولية ذلك الحدث الرهيب:
■ ماذا تعنى حدوتة إصدار المؤسسات بشكل عام والدينية بشكل خاص مثل تلك البيانات.. هل يعنى ذلك انسداد شرايين التواصل بين تلك المؤسسات وأصحاب القرار لدرجة إشهار الخصومة؟.
■ لقد وضعتنا حدوتة البيانات أمام مشهد كوميدى غير مسبوق عندما أصدرت إحدى المطرانيات الصعيدية بيانًا بصدد أمور تتعلق بمشاكل لها علاقة بتقصير من جانب الإدارة المحلية، وبدلًا من استدعاء المسئول للشاكى وسؤاله: هل طلبت أو قدمت شكواك لى ولم تجد حلًا حتى تلجأ للتجريس؟.. فيكون الرد ببيان من جانب الإدارة المحلية!!.
■ ما الرسالة التى أراد الأسقف أن تصل إلى عموم الجماهير والميديا عبر ذلك البيان.. هل للتأكيد على أن مطرانيته كنيسة مصرية غير تابعة للكنيسة الأم ولا تعمل بمشورتها؟.. هل لإشهار بطولة يصعب أن يتحلى بها غيره؟.. هل كان للفت النظر أن حياة الأسقف الشهيد لا تساوى القصاص العادل إذا كان الثمن حياة اثنين من الرهبان رغم شلح الكنيسة لأحدهما وكأنه يعلن رفضه قرار المجمع المقدس؟.
■ كيف واتت الأسقف تلك الجرأة التى بها يتصور أنه يتحدث باسم عموم الأقباط فى الداخل والخارج؟.
■ كيف يعتبر البيان أن الحكم الذى صدر بالإعدام على الراهبين هو «حكم ضد عموم الرهبان والرهبنة القبطية والكنيسة كلها».. أين حكمة التقدير والتعامل المسئول فى إدارة الأزمات؟.
■ وماذا عن موقف كنيستنا العتيدة من ذلك البيان.. لعل التأخر فى توضيح الموقف لحكمة لا نعلمها؟.
■ هل يعنى البيان التأكيد على أن المجتمع الديرى هو بيت للملائكة والقديسين، رغم كل ما تبين من التحقيقات بوجود أمور لا علاقة لها بمواصفات تلك المدينة الفاضلة؟!!.
■ لماذا لم يستشعر كاتب البيان وهو راهب إعلان تجاوز حدود الولاء للرئاسة الكهنوتية التى يصلى لها هو وتابعوه أن يحفظه ويبارك خطاه وسنى حبريته؟.
■ أما كان من الأولى الذهاب بشكواه للمجمع المقدس، أم أنه خارج حساباته؟.
أرجو أن تجد علامات الاستفهام السابقة أى إجابات من أى أحد؟.