رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما بين المعارضة الشكلية والمعارضة الموضوعية


تشهد الساحة السياسية والحزبية والشعبية حراكًا كبيرًا خلال الفترة الحالية على ضوء البدء فى مناقشة التعديلات الدستورية من خلال وسائل الإعلام المختلفة والأحزاب واللقاءات الشعبية والجماهيرية والندوات المختلفة بعد أن تمت الموافقة على مبدأ قبول تلك التعديلات فى الجلسات العامة للبرلمان.
لا شك أن طرح هذا الموضوع للمناقشات المجتمعية يمثل إحدى الوسائل الديمقراطية لرسم خارطة الطريق للوطن خلال المرحلة المقبلة التى تستلزم أن يكون جميع أبنائه على قناعة بأهمية الدور الذى يقوم به، وأيضًا الرأى الذى يتبناه.
وبناءً على ذلك فإن الجهات المعنية والمسئولة عن عرض تلك التعديلات للرأى العام يجب أن تكون على قدر المسئولية الملقاة على عاتقها، وأن تحسن اختيار الشخصيات التى سوف تقوم بشرح الأهداف الحقيقية لتلك التعديلات التى تستوجبها المرحلة الحالية، وأن يكون هذا العرض محايدًا وشاملًا كل الأبعاد الموضوعية والشكلية التى أدت إلى ضرورة إجراء تلك التعديلات الدستورية لكى تتواءم مع طبيعة المرحلة التى تمر بها البلاد، والتى تقتضى استحداث بعض التعديلات والرؤى حتى يمكن الاستمرار فى استكمال تلك المرحلة المليئة بالإنجازات على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
بطبيعة الحال، وكما هو متوقع، فإنه سوف يحاول العديد من المتربصين لأى نجاحات تتحقق على الساحة المصرية، داخليًا أو خارجيًا، اختزال عملية التعديلات الدستورية على تلك الجزئية الخاصة بتعديل فترة رئاسة الجمهورية فى محاولة لتسطيح الهدف الرئيسى من تلك التعديلات.. متجاهلين فى ذلك أن تلك المادة قد فتحت المجال لكل من يجد لديه القدرة على قيادة الوطن اعتبارًا من عام ٢٠٢٢ أن يخوض غمار العملية الانتخابية، سواءً قرر السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى الترشح لذلك من عدمه.
وهنا نتحدث عن المعارضة الشكلية فى المقام الأول، حيث من المنتظر أن يحاول البعض أن يرسم لنفسه صورة المعارض الوطنى لمجرد أن يطرح اسمه على شبكات التواصل الاجتماعى، أو على الفضائيات المناوئة للدولة المصرية، دون أن يجتهد فى الوقوف على الأبعاد والأسباب الجوهرية التى من أجلها تم طرح تلك التعديلات، متناسين الشكل الذى كانت عليه الدولة بعد أحداث يناير ٢٠١١، حيث تسلمتها القوات المسلحة وقد تدهورت الأوضاع الأمنية والاقتصادية للدولة، ثم استكملت جماعة الإخوان تدمير البلاد خلال الفترة التى قفزت فيها على مقاليد الحكم فى البلاد، حيث وصلت الأوضاع الداخلية والخارجية إلى أسوأ مرحلة مرت بها البلاد منذ نكسة ١٩٦٧..وأيضًا متناسين أن الشعب هو الذى مارس صلاحياته وضغوطه على وزير الدفاع آنذاك عبدالفتاح السيسى لكى يتولى دفة قيادة سفينة وطن شهد من التداعيات السلبية فى جميع مناحى الحياة، ما جعلته شبه دولة وليست دولة كاملة.. وقام الرجل تسانده القوات المسلحة بكل تجرد وشفافية بتحمل المسئولية نزولًا على رغبة تلك الجماهير الهادرة وبذل فى سبيل تحقيق أمن واستقرار البلاد التضحيات الجسام سواءً فيما يتعلق بشهداء الوطن من رجال الجيش والشرطة أو الأبرياء من أبناء هذا الوطن والعمل على إعادة البنية الأساسية للبلاد وتحقيق طفرات على جميع الأصعدة التى تولى الاهتمام بها، والتى كان من أهمها منظومة الأمن والصحة وتوفير حياة كريمة للمواطن تزامنًا مع القضاء على الإرهاب بجميع أشكاله وأيضًا على العشوائيات وخلق مجتمعات سكنية جديدة تتناسب مع كرامة المواطن المصرى.. فى ذات الوقت فقد استعاد فيه مكانة الدولة المصرية على الصعيد العربى والإفريقى والدولى وأعاد لها هيبتها وقوتها السياسية والعسكرية وأيضًا الاقتصادية، حيث أصبحت محل اهتمام العديد من الدول والمستثمرين وجعلتهم يفكرون جديًا فى نقل استثماراتهم للبلاد على ضوء التوترات وعدم استقرار الأوضاع التى تشهدها معظم دول المنطقة المحيطة بنا وكذلك الدول الإقليمية الأخرى.
أما عن المعارضة الموضوعية وهى التى أتمنى أن تكون محل اهتمام من القوى السياسية المختلفة والتى يجب أن تكون أيضًا مبنية على معطيات وثوابت تشير الى إمكانية إعادة النظر فى بعض تلك التعديلات أو حتى إلغائها بالكامل إذا استدعى الأمر ذلك، فالأمر، أولًا وأخيرًا، متروك لصاحب السيادة فى هذا الوطن وهو الشعب.. صاحب الكلمة الأولى والأخيرة.
والمعارضة الموضوعية تقتضى ضرورة القيام بدراسة تحليلية دقيقة للمرحلة التى تمر بها البلاد.. وكذلك مراجعة التوقيت الذى تم فيه وضع دستور ٢٠١٤ والملابسات التى صاحبت إصداره من تداعيات فى جميع المجالات، الأمر الذى يقتضى إعادة النظر فى بعض مواده طبقًا للمتغيرات التى حدثت مؤخرًا فى الدولة وأيضًا طبقًا لرؤية المواطن المصرى الذى سوف تنعكس تلك التعديلات على حياته ومستقبله.
بطبيعة الحال سوف نجد حربًا ضروسًا من قبل الميليشيات الإلكترونية لجماعة الإخوان الإرهابية ومن فضائيات جعلت اهتمامها الأوحد الشأن المصرى الداخلى.
سوف تسعى القوى المناوئة لأى تقدم للوطن أن تؤثر على الرأى العام وأن تستهدف تلك الفئات التى من الممكن أن تتأثر بتوجهات تلك القوى وأهمها الشباب وهو ما حدث بالفعل عندما نجحت فى تحريك أعداد كبيرة منهم لإسقاط نظام الحكم فى البلاد فيما سمى بثورة الربيع العربى، وكادت تسقط الدولة بالكامل لولا يقظة رجال القوات المسلحة وقبلها عناية الله وتبين بعد ذلك أن هناك أجهزة استخباراتية بل دولًا بعينها وراء تلك المحاولات التى باءت بالفشل، إلا أنها مازالت تحاول استثمار أى موقف أو قرار لإثارة الرأى العام ضد الدولة بأجهزتها المختلفة.. بل تمادت فى ذلك إلى محاولات تأليب منظمات دولية ودول أجنبية لمهاجمة أى تطور أو تطوير تراه الدولة مناسبًا للمرحلة التى تمر بها.
سوف نجد من يسمون أنفسهم نشطاء حقوق الإنسان المدعومين من الخارج تتعالى أصواتهم الجوفاء اعتراضًا على أى تعديل أو تبديل للدستور، كما لو كان منزلًا من السماء والهدف الأساسى هو إحداث الوقيعة بين أبناء الوطن الواحد ومؤسساته.. بل إننا سوف نجد منظمات لحقوق الإنسان تهاجم تلك التعديلات كما لو كانت تمسها هى تحديدًا.
نحن هنا لا نروج لاتجاه محدد أو لتبنى موقف بعينه، بل نحن نناشد الجميع الحيادية والموضوعية فى عرض فكرة التعديلات الدستورية وأهميتها طبقًا لطبيعة المرحلة وأن تتم مناقشتها بهدوء ومنطقية من خلال شخصيات تحظى بالمصداقية والتقدير من قبل المواطن المصرى البسيط وأيضًا المثقف، وأن يكون هذا الطرح بأسلوب مبسط وشاملًا لكل المواد المطلوب إعادة النظر فيها وعدم اختزالها على مادة أو مادتين فقط من تلك المواد.
نحن نراهن على وعى الشعب المصرى، وعلى قدرته لاستيعاب ما تتطلبه المرحلة الحالية من ضرورة إحداث متغيرات تتواءم مع طبيعتها لاستكمال ما بدأناه من مسيرة التطوير والتغيير الشامل الذى يهدف إلى إعلاء شأن الوطن والمواطن وإلى خلق مستقبل أكثر إنجازًا وطموحًا حتى نلحق بركاب الدول المتقدمة الكبرى.. وهو أمل من حقنا أن نحلم ونعمل على تحقيقه.
وتحيا مصر....