رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر وأمن القارة الإفريقية


اليوم وبعد أن تسلمت مصر زمام قيادة القارة الإفريقية، والتى كانت محل اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ توليه مسئولية شئون البلاد لقناعته الكاملة بأهميتها الاستراتيجية فى جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والإنمائية وكذلك الأمنية.. أصبح من اللازم أن تكون هناك رؤية متكاملة لاستثمار رئاسة مصر الاتحاد الإفريقى بما يعود بالفائدة والنفع على جميع دول القارة فى شتى مجالات التعاون الذى يجب أن يتم فيما بينها ومن خلال تنسيق وتناغم تقوده مصر بكل ما لديها من خبرات وإمكانيات على جميع الأصعدة فى الأنشطة المشار إليها.
إن مصر تحظى بمكانة متميزة فى قلب كل إفريقى نتيجة تلك المشاعر التى تولدت فى نفوس دول القارة خاصة فى الآونة الأخيرة عندما استشعر الجميع مدى اهتمام القيادة السياسية بمساندة ودعم التعاون معها من خلال المؤتمرات التى كانت تدعو إلى الاستثمار فى إفريقيا، والتى كان آخرها خلال شهر ديسمبر ٢٠١٨ بمشاركة العديد من زعماء ورؤساء حكومات ووزراء الدول الإفريقية.
ولعلنا هنا وبحكم طبيعة عملنا نجد أنه من الواجب أن نتناول جانبًا من الجوانب المهمة فى العلاقات المصرية- الإفريقية ألا وهو «الجانب الأمنى».. والذى بدون الاهتمام به والتعاون المثمر والجاد لتحقيقه فإن تحقيق التنمية الاقتصادية والتنموية سوف يصبح من الصعب تحقيقها بالشكل المأمول.
إن غياب أدوات التفاعل المصرى مع إفريقيا فيما بعد عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وحتى تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى البلاد ترتب عليه فقدان جزء كبير من التأثير الناعم فى القارة الإفريقية وترتب عليه تنامى دور بعض القوى الإقليمية بالمنطقة.. فإسرائيل، على سبيل المثال، نجحت فى تعزيز علاقاتها مع العديد من الدول الإفريقية، بل إنها لعبت دورًا محوريًا فى أزمة سد النهضة، حيث لم تكتف بتقديم مساعدات فنية وتمويلية لإثيوبيا، بل قامت بدور مهم فى رسم الاستراتيجية التفاوضية لأديس أبابا مع القاهرة.. هذا بجانب دخول قوى إقليمية أخرى حلبة الصراع على المصالح وتقوية النفوذ فى إفريقيا مثل إيران وتركيا، حيث امتد نفوذهما إلى دول حوض النيل.. كما أفرز ضعف الدور المصرى أيضًا وجود العديد من مناطق صراعات وبؤر ساخنة فى عدة مناطق بإفريقيا، حيث انفرط عقد ليبيا وانقسمت السودان إلى شمال وجنوب متصارعين.. ودعم دولة قطر وتمويلها للعديد من الجماعات الإرهابية كدعم ميليشيات إخوان ليبيا والجماعات التكفيرية بها، وكذلك دعم جماعة بوكو حرام فى نيجيريا ومالى وبعض عناصر داعش فى الصومال وتشاد.. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك مجموعات كبيرة من عناصر داعش تمكنت بالفعل من الهروب والتسلل إلى تشاد وتقوم السلطات هناك حاليًا بالقبض عليهم، ولعل ما قامت به حكومة تشاد منذ يومين بالقبض على ٢٥٠ من الإرهابيين الذين تسللوا من ليبيا خير دليل على تأكيد المعلومات الخاصة بوجود أعداد كبيرة من التكفيريين والإرهابيين فى بعض الدول الإفريقية، وهو ما يجعل الملف الأمنى من أهم الملفات التى سوف تهتم مصر بها مع الدول الإفريقية، خاصة أن الخلفية الأمنية والعسكرية للرئيس عبدالفتاح السيسى تجعل هذا الملف من ضمن أولوياته.
ثم نأتى إلى محور آخر له أبعاد أمنية وأيضًا إنسانية خطيرة ألا وهو ملف «الهجرة غير الشرعية» ولا شك أن هذا الملف يمثل بُعدًا مهمًا يؤثر بشكل أو بآخر على العلاقات الإفريقية- الأوروبية، حيث تعتبر القارة الإفريقية هى الأولى فى مجال محاولات الهروب الجماعى والهجرة غير الشرعية، ولديها عدة منافذ على البحرين الأحمر والأبيض لتنفيذ تلك المحاولات، علاوة على استغلال الحدود البرية الشاسعة التى تربط شمال القارة بجنوبها، حيث يتسلل أعداد كبيرة من شباب الدول الإفريقية عبر الدروب البرية إلى ليبيا والجزائر وتونس وكذلك الدول المطلة على البحر الأحمر فى محاولات مستمرة ومستميتة للهجرة إلى خارج القارة.. ولعل من أهم أسباب تلك المحاولات ذلك الفقر والجهل الذى تعانى منه بعض الدول الإفريقية، والتى كان الاستعمار حريصًا على إسقاط هذه الدول فى ظلمات الجهل والفقر والمرض لإحكام السيطرة على مقدراتها.
ولا شك أن تعاون مصر مع الدول الإفريقية فى ملفى «مكافحة الإرهاب» و«مكافحة الهجرة غير الشرعية» بما لها من خبرة كبيرة سوف يسهم بلا شك فى تحسين صورة إفريقيا لدى المجتمع الدولى الذى بدأ ينظر إلى تلك القارة حاليًا باعتبارها هدفًا استراتيجيًا فى العديد من المجالات، ومن أهمها الثروات المعدنية والبترول ومناجم الذهب والأحجار الكريمة، وكذلك الغابات الكثيفة وصناعة الأخشاب.. ومن الطبيعى أن يكون لمصر النصيب الأوفر فى جميع تلك المجالات، خاصة أن السيد الرئيس نجح خلال فترة وجيزة فى استعادة مصر دورها الريادى والقيادى فى القارة الإفريقية والذى توج مؤخرًا برئاستها دول الاتحاد الإفريقى.
إن الاهتمام بالشباب الإفريقى وتوفير فرص التعليم والعمل له فى ظل ما تمتلكه القارة السمراء من موارد بشرية وثروات هائلة ومتنوعة سيكون له أكبر الأثر فى القضاء على التطرف والعنف وأعمال الإرهاب والقرصنة، وكذلك محاولات الهجرة غير الشرعية ومن هنا فإن القيادة المصرية ترى أن تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والتحديث هى أهم سبل مجابهة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية فى إفريقيا، وذلك بالقضاء على البطالة وخلق فرص عمل وحياة كريمة للمواطن الإفريقى، بالإضافة إلى الدور التوعوى الدينى الذى تسعى وزارة الأوقاف والأزهر الشريف إلى تفعيله من خلال إعداد وتدريب أعداد كبيرة من الدعاة والأئمة الأفارقة فى أكاديمية التدريب التى تشرف عليها الدولة كوسيلة من وسائل نشر الدين الوسطى الذى يدعو إلى السماحة ونبذ العنف والأفكار المتطرفة بين شباب القارة.. ولذلك فإنه عندما أعلن الرئيس أن عام ٢٠١٩ هو عام الشباب الإفريقى وأن أسوان هى عاصمة إفريقيا فقد كانت رؤيته صائبة تمامًا بحسبان أن الشباب هو المستقبل الذى سوف يقود تلك القارة لتحقيق الرخاء والاستقرار بها، وهو ما يستلزم العمل على توعيته بأهمية القضاء على المهددات الأمنية والتنظيمات الإرهابية فى بعض أقاليم القارة، وكذلك دفعه للمشاركة فى السيطرة الأمنية داخل بلاده ودعم قدراته لمواجهة تلك التنظيمات وعصابات الجريمة المنظمة.
لا شك أن الملف الأمنى الذى تحمله مصر على عاتقها منذ عدة سنوات سيلقى بظلاله على دورها على الساحة الإفريقية ليضاف فوق مسئوليتها عبء جديد، بيد أننى على يقين أننا قادرون بإذن الله على تحقيق ذلك بالتعاون مع دول القارة السمراء ليكون عهدها بمصر عندما تولت قيادة الاتحاد الإفريقى هو عهد السلام والأمان والاستقرار والازدهار بإذن الله.. وتحيا مصر.