رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا تبغضوا العالم


" أنا لا أبغض العالم الذي أعيش فيه ولكن أشعر بأنني متضامن مع الذين يتعذبون فيه... إن مهمتي ليست أن أغير العالم فأنا لم أعط من الفضائل ما يسمح لي ببلوغ هذه الغاية، ولكنني أحاول أن أدافع عن بعض القيم التي بدونها تصبح الحياة غير جديرة بأن نحياها ويصبح الإنسان غير جدير بالاحترام".. تلك رؤية " البير كامو " الكاتب الشهير لأهمية إحياء وتعظيم القيم الإيجابية وأهمية السعي للتغيير للأفضل..
ولعل " الحرية " و" الديمقراطية " وتوفر آليات تفعيلهما على الأرض باتت ضرورة حيوية لدعم تلك القيم للبعد عن الانخراط في الزيف والكذب والتضليل والاقتراب من اكتساب المواطن جرأة الجهر الطيب بالحقائق بشفافية ودون خوف.. فالخوف بات الضيف الثقيل على وجدان الناس في فترات تراجع الحريات العامة..
كان مصطفى أمين يرى أن الحرية والديمقراطية مُقدمة على التعليم وليس العكس، فكتب بقلمه الرشيق في عموده اليومي " فكرة " (عدد 3101980): " من 200 سنة كانت نسبة الأميين في أمريكا أكثر مما هي في مصر الآن، ومع ذلك نالت أمريكا الحرية الكاملة والديمقراطية الكاملة في تلك الأيام، وبهذه الحرية والديمقراطية أوصلت نسبة التعليم إلى 99%، فالحرية والديمقراطية هي التي تلد التعليم وليس التعليم هو الذي يلد الحرية والديمقراطية. إن التعليم لا يجيء بالديمقراطية بدليل انه عندما تولى هتلر حكم ألمانيا، كانت نسبة المتعلمين فيها مائة في المائة، ومع ذلك جاءت الدكتاتورية التي حوّلت الشعب المتعلم إلى رقيق وعبيد".
بكل الإيمان بحلم العيش بحرية إنسانية وفكرية، وتحديدًا منذ ما يقرب من عشر سنوات، قام التيار العلماني الإصلاحي المسيحي ( لما كان عندنا تيار علماني ) بتوجيه الدعوة إلى كل المؤسسات الفكرية ورموز التنوير والإصلاح وكل وسائل الإعلام ووسائطه المختلفة للمشاركة في فعاليات مؤتمرهم الثالث، وعبر التفهم لقيم المواطنة كانت الدعوة مفتوحة لكل ممثلي الآراء والتوجهات المتباينة، بل والمنتمين لأديان وأيديوجيات مختلفة في محاولة لبلورة تصور موضوعي وعملي يسهم في تأكيد ثقافة المواطنة باعتبارها المخرج الصحيح من مناخ الاحتقان الطائفي والعودة إلى زمن التآخي والتكامل من أجل وطن واحد لكل المصريين.
وتضمنت محاور الجلسات عدة عناوين هامة منها الإطار السياسي لتأصيل المواطنة في مصر، والإطار الروحي الإسلامي لدعم فكر المواطنة، وكذلك الإطار المسيحي.. بالإضافة لدور السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وأيضًا مؤسسات الإعلام والتعليم والثقافة في دعم أو تعويق سبل المواطنة.. إلى غير ذلك من الموضوعات الهامة التي أتصور أن المؤتمر ومن قاموا على تنظيمه كانوا يعدونها مقدمة وافتتاحية يليها تخصيص ورش عمل وندوات منفصلة لكل محور من محاور المؤتمر بعد أن لاقت مناقشات المؤتمر نجاحًا جعل الحضور يناشدون أعضاء التيار العلماني بتواصل الجهود نحو دعم وتمكين الشباب والرموز الدينية من ثقافة المواطنة وصولًا إلى تحقيق حلم مجتمع العدالة والكرامة الإنسانية والأهم التخلص من عبودية تابوهات تراثية معوقة كل حركات الإصلاح...
عن دور مؤسسات المجتمع المدنى فى دعم وتعويق المواطنة أشار د. مصطفى النبراوى المشرف العام على تقرير "المجتمع المدنى والتحول الديمقراطى فى العالم العربى" أنئذ في كلمته للمؤتمر إلى أن المواطنة إطار يُفعل الثقافات المختلفة لأبناء الوطن الواحد، وأن وطننا العربي يتمتع، في معظم أقطاره بأقليات سواء كانت (عددًا أو تأثيرًا أو الأثنين معًا ) تأخذ احيانًا طابعًا عرقيًا إثنيًا دينيًا طائفيًا جنسويًا. وكان بالإمكان أن يكون هذا التنوع مصدر ثراء للثقافة العربية وأن تبتهج الأقطار العربية به، إلا أنه نتيحة لغياب الإدارة الرشيدة لهذا التنوع، فقد هُمشت تلك الأقليات مما أحدث خللًا في العلاقة بينها وبين الأوطان التي تنتمي إليها. فمن المؤكد أن متانة النسيج الوطنى تتطلب أولا التسليم بمفهوم المواطنة، مفهوم تتحقق فيه المساواة بين البشر.
وأشار اسحق حنا دينامو " التيار العلماني " وأمين عام جمعية التنوير إلى ظاهرة تدني النظرة للمراه.. فقال إن مصر التي كانت تجلّس المرأه ملكة وقاضية وحاكمه، وكان العدل فيها يتمثل بإمراة هي " ماعت " وتخرج للعمل مع زوجها في نديه كاملة في الحقوق والواجبات والميراث أيضا،تدنت النظرة إليها وإلى عظيم دورها بعد أن عاد أهالينا من العمل في بلاد النفظ بمروحة كهربائية وجهاز فيديو، وللأسف ثقافة مغايرة للتراث والتاريخ المصري العظيم سواء بالاحتكاك المباشر أو عن طريق الفضائيات أو دعاة التخلف،فتغيرت النظرة المعتدلة والمتوازنة للمرأة، واختزلت في نظرهم فى كونها فقط جسد للفراش.الامر الذى نحى بعقولنا واهتماماتنا نحو هواجس مرضية عطلت قدر كبير من القدرة الانتاجية والابداعية..
إنني أعتقد أن هذا الصدى الطيب لمؤتمر العلمانيين الثالث،والذي تمثل في اهتمام إعلامي رائع لم يكن مصدره تواجد شيوخ وكهنة وأحبارعلى منصة المؤتمر كما هي العادة والمتبع في تنظيم مثل تلك اللقاءات، بل في لقاء الأفكار الموضوعية الداعمة لقيم المواطنة عبر تفهم موضوعي لخطورة واقع التشابكات الطائفية والصراعات المذهبية التي باتت تتصاعد آثارها للأسف، وددت بهذا المقال أن أذكر بدور التيار العلماني، الذي خسرناه للأسف عبر ملابسات لا داعي للتعرض لها... ولعل شباب الكنيسة الذي خرج من أسوارها يرفضون أن تمثل الكنيسة وبطريركها الأقباط سياسيًا أن يواصلوا طرح الاجتهادات الطيبة نحو دعم حالة من الاندماج الوطني..