رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مع بشاير يناير هلِّت حفيدتى عالية


فى الرابع من جمادى الأولى ١٤٤٠هجرية- العاشر من يناير ٢٠١٩ ميلادية- الثانى من طوبة ١٧٣٥ قبطية، هلِّت وطلِّت للدنيا وخرجت للدنيا حفيدتى «عالية» فجر يوم خميس مع بداية عام جديد.
كنت أنوى استكمال كتاباتى عن أمنياتنا مع بداية عام جديد، وكانت الأمنية الأولى فى المقال السابق عن المواطنة وعدم التمييز، وجاءت حفيدتى فوددت أن تشاركونى هذه اللحظات.
فى ليلة قاسية البرودة مع بداية شهر طوبة كانت حفيدتى تتطلع إلى الخروج من رحم أمها إلى براح أوسع، إلى النور، إلى دنيا جديدة، ومع طلّتها ووصولها إلى بر الحياة غيّرت مسار كتاباتى لأقف وقفة مع الحفيدة «الرابعة» وأكتب لها «إلى حفيدتى عالية» مثلما كتبت من قبل «إلى حفيدى حمزة» فى الثامن والعشرين من أغسطس عام ٢٠١٢ وكان ذلك أول مقال لى فى جريدة «الدستور» وجاءت الفكرة مع المصور الفاضل عيد خليل، الذى ذهب معى إلى مقر الجريدة وتقابلنا مع المسئول عن صفحة الرأى الأستاذ الكاتب الصحفى محمود عابدين، الذى رحب كثيرًا بهذه الفكرة وتقابلنا فى نفس الوقت مع رئيس التحرير الكاتب المبدع حسن بديع، وكان لتشجيعه أثر كبير فى انتظامى والتزامى بكتابة مقال أسبوعى بجريدة «الدستور» منذ أكتوبر ٢٠١٢ وحتى الآن، وفى البداية اقترحوا أن تكون سلسلة المقالات الأولى تحت عنوان «إلى حفيدى حمزة» بل وشجعونى بعد ذلك على جمع هذه المقالات فى كتاب يحمل نفس العنوان صدر فى منتصف عام ٢٠١٧، وكتبت فى مقدمته عددًا من السطور اسمحوا لى أن أسترجعها معكم.
سمعت كثيرًا من أصدقائى وصديقاتى وقريباتى «أعز الولد ولد الولد» وكنت أندهش كثيرًا من هذا القول المأثور وأقول فى سرى كيف ولماذا؟! ومع وصول حفيدتى الأولى «ليلى» فى ١٩ يونيو ٢٠٠٥ تمنيت أن أقول لكل من أعرفه إن هذا القول قول صحيح لا يحس به إلا من جرّبه وعاشه.
كم كانت سعادتنا أنا وخالتها رشا مع تشريف حفيدتى الأولى ليلى، ابنة ابنتى الكبرى نسرين وزوجها تامر.. كانت رشا تنتظر الأول من كل شهر لتأخذ راتبها وتشترى العديد من الأشياء لحفيدتى الجميلة من ملابس ولعب وحلويات، رشا تحب الأطفال كثيرًا وتسعد بهم وهم يبادلونها المحبة والسعادة.
وفى ٣٠ ديسمبر ٢٠٠٦ رُزقنا بالحفيدة الثانية «يارا» والتى تشبه خالتها رشا وتحمل العديد من صفاتها وطباعها وعاداتها وكأنها نسخة مصغرة منها. وتمر الأيام والسنون وتتزوج رشا من حاتم، وفى يوم ٢٨ أغسطس عام ٢٠١٢ يصل إلى دنيانا حفيدى «حمزة»، طفل جميل مبتسم كم سعدنا به وكم سعدت به ليلى ويارا وبدأت من هذه اللحظة فكرة الحكى لحمزة.
وها أنا الجدة كوكى للمرة الرابعة أكتب «إلى حفيدتى عالية» من يدرى ربما تكون سلسلة من الحكايات وتبقى كتابًا، ربما.
فى يوم الأربعاء التاسع من يناير رن التليفون وجاءنى صوت ابنتى الحبيبة رشا وقالت قد ألد اليوم يا أمى، أحس ببعض الآلام، ومثل أى أم بدأ قلقى يزداد (وكنت فى ذلك الوقت أحضر حلقة نقاشية مهمة عن وضع خطة لمحو الأمية وتعليم الكبار منذ العاشرة صباحًا وامتدت الجلسات حتى الرابعة عصرًا) طمأنتها وقلت لها إننى بمجرد اتصالها بى وهى فى طريقها للمستشفى سأكون فى طريقى لانتظارها هناك، واتصلت أختها الكبرى نسرين لتخبرنى (رشا ستلد اليوم يا أمى إعملى حسابك) ومرت الساعات حتى المساء ونحن فى انتظار «الفرج» دخلت لأنام الساعة ١٢ منتصف الليل وبعد نصف ساعة أيقظنى زوجى الدكتور محمد، وأخبرنى بأن رشا فى طريقها إلى المستشفى.
عارفة يا عالية إنتى إتولدتى الساعة الواحدة وأربعين دقيقة فجر يوم الخميس ١٠ يناير، وكان اليوم شديد البرودة فى بداية شهر «طوبة» ومن المعروف يا عالية يا كتكوتى عند المصريين أن شهرى كيهك وطوبة هما شهرا البرد القارس والزمهرير والأمطار وربما الريح والعواصف الترابية.
جاءت رشا إلى المستشفى فى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ومعها زوجها وحفيدى حمزة، وعمره الآن ست سنوات ونصف السنة، وحكى لنا حاتم (أثناء وجود رشا فى غرفة العمليات للولادة) كيف أن حمزة كان يطمئن أمه ويبكى فى نفس الوقت عندما تتألم مع (طلق الولادة) ثم يمسح دموعه ويطمئنها ويطبطب عليها ويخبرها بأنها ستكون بخير وستلد أخته عالية التى ينتظرها بفارغ الصبر.
وصلت ابنتى الكبرى نسرين وجلسنا فى الغرفة ونحن فى قلق وتوتر وترقب وجلس حمزة بجوار جده محمد ليخبره: «عارف يا جدو لما تيجى عالية أنا هاعمل إيه هاغيَّرلها مع ماما وهاشيلها على رجلى وأطبطب عليها لمّا تعيط وأكلها وأنيمها» وكان حمزة كعادته منطلقا ومتحمسا ومبتسما، حفظه الله.
عارفة يا عالية إنتى جيتى فرحة كبيرة وهلّيتى مع بشاير وبداية عام جديد وأحب يا عالية أسترجع معاكى غنوة جميلة كنت بأغنيها فى مسرحية «العُقد» التى تم عرضها على مسرح حزب التجمع فى شتاء ١٩٨٠ من تأليف القدير جلال الغزالى وإخراج الفنان الرائع القدير عبدالعزيز مخيون وكلمات الأغانى لأحمد فؤاد نجم، شاعر الشعب، وألحان ملحن ومغنى الشعب الشيخ إمام والغنوة بتقول
هو.. ننا ننا هو
هو.. يا غنوة ماما ياللى فى المجى وفى السروح
هو.. يا حلم الشوق تمللى هو يا بلسم الجروح
لما قالوا دى البُنيَّه طلعت الحنة فى إيديا
شمس طالعة المغربية روح يا ليل الوحشة روح
ننا ننا هو.. ننا ننا هو
فى هذه اللحظات أتمنى لك يا عالية ولكل الأحفاد والحفيدات ولكل أطفال العالم الخير والصحة والسلامة مع مستقبل خالٍ من الحروب والقهر والدمار والفقر، مستقبل يسوده السلام والعدل والأمان.