رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معرض الكتاب والسيادة الثقافية لمصر


تحتفل مصر كلها هذه الأيام بمناسبة مرور خمسين عامًا على معرض القاهرة الدولى للكتاب، وهو أمر لو تعلمون عظيم.. إنه أمر يتعلق بالسيادة الثقافية لمصر على المنطقة، هذا الأمر الذى نُطلق عليه أيضًا «القوى الناعمة المصرية»، وبصرف النظر عن المُسمى فإن الأمر المهم هنا ألا تتخلى مصر عن دورها المحتوم فى المنطقة، وألا نسمح جميعًا، حكومةً وشعبًا، لأى جهة أو حتى دولة أخرى، بأن تنجح فى إحداث تراجع للدور المصرى، أو أن تسحب البساط من مصر.
الأمر الجدير بالملاحظة، أن مصر تحتفل هذا العام بعدة مناسبات تدعم الدور الثقافى الحيوى لمصر فى المنطقة؛ إذ نحتفل بمرور ألف وخمسين عامًا على تأسيس القاهرة، المدينة التى كانت فى القرن الخامس عشر أكبر وأهم مدينة فى العالم كله.. كذلك نحتفل بمئوية ثورة ١٩١٩، الثورة الشعبية الأم فى تاريخ مصر والمنطقة كلها.
ووجدتنى أتذكر قصة نشأة المعرض، وخروجه من مجرد فكرة إلى حيز التنفيذ، فى عام ١٩٦٩، رغم أن مصر كانت جريحة فى ذلك الوقت من جراء هزيمة ٦٧، وكانت فى أتون حرب الاستنزاف، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، لكن أيضًا لا صوت يعلو فوق صوت الثقافة والفن، لأنهما قوة مصر الناعمة.
يروى لنا ثروت عكاشة «عميد الثقافة المصرية»، كيف خرج معرض الكتاب إلى النور.. يُرجع عكاشة الفضل فى الفكرة إلى الفنان «عبدالسلام الشريف»، وكيف أُعجِب الوزير ثروت عكاشة بذلك، وعلى الفور اتصل بسوق الكتاب الدولية فى ليبزج، فى ألمانيا الشرقية- آنذاك- ليستفيد بخبرته فى إعداد المعارض.
ويرسم لنا ثروت عكاشة فرحته بظهور معرض القاهرة للكتاب لأول مرة فى يناير ١٩٦٩، وكيف اشتركت فى هذا المعرض الأول ٢٧ دولة، وأكثر من ٤٠٠ دار نشر، كما بلغ عدد الزوار حوالى سبعين ألف زائر خلال عشرة أيام، هى فترة إقامة المعرض.
وفى سنواته الأخيرة، يصف لنا ثروت عكاشة نجاح المعرض الأول، قائلًا: «على أن المسألة مع هذا لا تُقاس بالربح المادى بقدر ما تُقاس بالأثر الذى تركه هذا المعرض فى الحياة الفكرية فى العالم العربى، إلى حد أن شعورًا جماعيًا بضرورة إقامته فى كل عام قد دفع وزارة الثقافة إلى تكرار هذه التجربة بانتظام، حتى غدا المعرض الآن علامة ثقافية بارزة مع مطلع كل عام، لم تتوقف قط حتى اليوم، تترقبه الجماهير بلهفة وشغف وحماس».
هذه هى مصر الواعية الواثقة، برغم مرارة هزيمة ٦٧، فإن الانتصار لن يأتى فقط بالحديد والنار، ولكن أيضًا بالثقافة والفن.
تحية إلى ابن مصر البار الوزير صاحب المشروع الثقافى «ثروت عكاشة».