رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دروس جنسية للحياة الزوجية


قريبًا سيتعين على من يريد الزواج أن يحصل على وثيقة تثبت أنه «مؤهل»، مثلما يحصل قائد السيارة على رخصة تؤكد كفاءته. رخصة الزواج الجديدة سيبدأ العمل بها فى فبراير القادم، وذلك بعد أن تقدمت النائبة البرلمانية مايسة عطوة فى ديسمبر العام الماضى، باقتراح منها إلى لجنة المقترحات بمجلس النواب لإلزام المقبلين على الزواج بحضور دورة تأهيلية تشمل التوعية بكل فروع الحياة الزوجية، يحصل بعدها الشاب على ورقة تفيد بأنه أصبح مؤهلًا للمعركة، بحيث لا يمكن إتمام عقد القران من دون شهادة التأهل.
وافقت لجنة المقترحات على المشروع الذى ستشارك فيه وزارات حكومية مثل وزارتى التضامن والصحة والسكان ومؤسسة الأزهر والمركز القومى للبحوث. ويقول القائمون على الدورة إن الدروس فيها «جنسية ونفسية تكمل نقائص المعرفة». أما النائبة البرلمانية فتوضح أهمية اقتراحها بأن مصر شغلت المركز الأول عالميًا من حيث نسبة الطلاق التى بلغت نحو مائتين وخمسين حالة يوميًا.
وقد أعلنت الحكومة أنها ستطلق المشروع بعد شهرين، فى فبراير. ولا شك أن كل خطوة تستهدف التنوير بقضايا الزواج هى خطوة مطلوبة وضرورية، هذا مع أن معظم حالات الطلاق تتم ليس بسبب الجهل بإدارة الحياة الزوجية، وإنما بسبب العوز المادى. وطالما أن التنوير هو هدف المشروع، فلا بأس من استعادة المثل القائل «العلم فى الصغر كالنقش على الحجر، وفى الكبر كالنقش على المدر»، والمدر هو الطين الطرى، فإذا أردنا توعية الشباب بقضايا الزواج بما فيها العلاقة الجنسية وهى موضوع مهم للغاية، فإن علينا أن نبدأ مبكرًا، وليس بعد أن ينضج الشاب وتترسخ وتستقر فى ذهنه المفاهيم البالية عن الزواج والمرأة.
علينا أن نقدم مشروعنا ليصبح جزءًا أساسيًا من التعليم فى المدرسة ثم الجامعة، أى فى مرحلة التكوين والاستعداد للتلقى والفهم، وليس بعد نضوج الشباب وتبلور أفكارهم بالكامل. وبالرغم من أن للزواج مشكلاته المحددة كالعلاقة الجنسية، وكيفية تربية وتنشئة الأطفال، وحل المشكلات الزوجية، إلا أن الزواج فى نهاية الأمر علاقة بين رجل وامرأة تتبلور شروطها فى ظل ثقافة عامة. وعلى سبيل المثال فإن رجلًا يعتقد أن دور المرأة هو خدمته وإطاعة أوامره لن يكون قادرًا على خلق أسرة سعيدة مهما حصل على أوراق تفيد بأنه مؤهل تقنيًا.
لهذا أقول إن علينا أن نبدأ مبكرًا، من المدرسة، ومن تصويب النظرة إلى المرأة، وفى هذا المجال تحضرنى عبارة قاسم أمين من كتابه «تحرير المرأة» حيث يقول: «متى تهذب العقل ورقّ الشعور فى الرجل، عرف أن حجاب المرأة إعدام لشخصها». السؤال هنا: بأى رؤية ستنطلق هذه الدورة التدريبية؟، من نظرة الرجل التقليدية المشوهة للمرأة، حيث يقال له: «اذبح لها قطة لتخاف منك»، أم من النظر إلى المرأة بصفتها أختًا وزميلة ورفيقة حياة؟، الرؤية التى ستحكم المشروع حاسمة فى تحديد طبيعة دوره.
وفى تقديرى فإن المشروع المطروح يندرج فى باب «التعليم»، ويأتى هذا المشروع متزامنًا مع مرور ثمانين عامًا على صدور كتاب طه حسين «مستقبل الثقافة فى مصر» الذى تحدث فيه بالتفصيل عن تصوره للتعليم المدنى فى مصر، وكيف ينبغى أن يكون، وهو حديث ما زال صالحًا حتى الآن ليومنا هذا، بل تزداد أهميته مع وجود مصر فى مؤشر دافوس العالمى فى المرتبة قبل الأخيرة من حيث جودة التعليم. لست ضد المشروع الذى تقدمت به النائبة مايسة عطوة، لكنى آمل أن يتم إدراج المشروع فى المقررات الدراسية مبكرًا، وأن تبدأ التوعية بتلك القضايا فى المدارس مبكرًا، وترافق التلاميذ حتى الجامعة، هذا أفضل بكثير من أن ننتظر حتى ينمو الشاب وتتحجر أفكاره ثم نقول له: تعال للتوعية.