رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نهضة مصر.. إنه عام ثورة 19


كل عام ومصر بخير، إنه عام مئوية ثورة ١٩، وهو حدث لو تعلمون عظيم. فى ٢٥ يناير وقف الجميع من أوروبا إلى أمريكا انبهارًا وإعجابًا وتقديرًا للشعب المصرى وثورته، وفى ٣٠ يونيو ظن الجميع أنها مجرد مظاهرات ستمر مثل ما سبقتها من مظاهرات، لكنه كان الحدث الكبير، رفض التسلط الدينى والبحث عن نهضة مصر.
إنها أيضًا مصر التى أبهرت العالم كله بعد ساعات من إعلان نهاية الحرب العالمية الأولى، إذ خرج سعد ورفاقه فى ١٣ نوفمبر ١٩١٨ إلى دار المندوب السامى البريطانى مطالبين برفع الحماية، والذهاب إلى لندن لمطالبة إنجلترا برد جميل مصر، التى وقفت إلى جانب الديمقراطيات فى العالم فى حربها ضد قوى الديكتاتورية. وسخر منهم المندوب السامى كيف لمصر أن تقف فى وجه بريطانيا العظمى، الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس، سيدة البحار، التى خرجت من الحرب لتؤكد أنها القوة رقم واحد على مستوى العالم، كيف ترفضوا الحماية البريطانية؟ كما شكك فى مصداقيتهم، مَنْ أنتم؟ مَنْ أذن لكم تمثيل الشعب المصرى؟ لكن سعد ورفاقه كانوا خير تعبير عن حالة الأمة المصرية الساعية إلى الحرية والاستقلال. لذلك أصبح هذا اليوم ١٣ نوفمبر عيدًا قوميًا لمصر «عيد الجهاد»، جهاد مصر نحو «عودة الروح»، كما قال توفيق الحكيم.
واستمر جهاد المصريين بالطرق السلمية، وابتكر الشعب المصرى فكرة التوكيلات للوفد المصرى ليسافر إلى مؤتمر الصلح للمطالبة باستقلال مصر. لكن الصلف البريطانى قام باعتقال سعد زغلول ورفاقه يوم ٨ مارس ونفيهم إلى مالطة. وما أن تسربت أخبار الاعتقال فى اليوم التالى، ٩ مارس، فى زمن لم يكن فيه راديو ولا تليفزيون ولا وسائل اتصال اجتماعى، والصحف المصرية تحت الرقابة، حتى اندلعت ثورة كبرى ضد بريطانيا العظمى، ثورة اشترك فيها كل فئات الشعب، الشباب والنساء والرجال، المسلمين والأقباط، سكان المدن والريف والبدو، الدلتا والصعيد، ثورة تردد صداها فى العالم كله، ثورة سقط فيها الشهداء برصاص الإنجليز، ثورة لم تقتصر على المظاهرات فى الميادين، ولكن تحولت ساحات دور العبادة، لا سيما الأزهر والبطريركية القبطية، إلى منابر للوطنية. ثورة لم تكتف بالمظاهرات وإنما أيضًا الكفاح السرى ضد الوجود العسكرى الإنجليزى، ثورة عرفت دور الدبلوماسية الشعبية المصرية فى أوروبا، ثورة أجبرت بريطانيا على احترام الرأى العام المصرى.
وعلى المستوى الإقليمى يعترف الجميع بمدى أثر نجاح ثورة ١٩ فى اندلاع ثورة ١٩٢٠ فى العراق ضد إنجلترا، وثورة ١٩٢٤ فى السودان ضد إنجلترا، وثورة ١٩٢٥ فى سوريا ضد فرنسا.
وعلى المستوى الدولى يُشيد الزعيم الهندى الشهير، المهاتما غاندى، بالثورة المصرية وبتجربة الوفد المصرى الذى أصبح تعبيرًا عن الوحدة الوطنية، وما تمناه من وحدة وطنية شبيهة فى الهند. كما أشاد الزعيم التركى الشهير، مؤسس تركيا الحديثة، كمال أتاتورك، بثورة ١٩ وزعاماتها ونضال الشعب المصرى من أجل الاستقلال.
إنها ثورة ١٩١٩ التى كان من نتائجها دستور ١٩٢٣ الذى نص على أن حرية العقيدة مطلقة، إنها الثورة التى حسمت الطريق نحو القومية المصرية والوحدة الوطنية، إنها الثورة التى احتفلت مصر بذكرى مرور خمسين سنة عليها فى عام ١٩٦٩ لتُعيد الروح إلى الشعب المصرى بعد هزيمة يونيو ٦٧، ولتُعيد وصل ما انقطع بين ثورتى ١٩ و٢٣ يوليو، إنها نهضة مصر التى عبَّر عنها المثَّال مختار فى رائعته «نهضة مصر»، مصر فى صورة الفلاحة التى تستند إلى تاريخها «أبى الهول» وتتطلع إلى المستقبل.
إنه عام ٢٠١٩ الذى ستحتفل فيه مصر كلها بمئوية ثورتها، وتزهو بتاريخها، وتستلهمه فى السعى نحو المستقبل المنتظر.