رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عندما سكتت المدافع.. ورقص الناس فى الشوارع!


- ما إن سكتت المدافع فى 11 نوفمبر 1918 حتى خرج الناس إلى الشوارع يرقصون احتفالًا ببقائهم على قيد الحياة

١١ نوفمبر ١٩١٨ هو تاريخ لا يُنسى، ففى هذا اليوم تم الإعلان رسميًا عن انتهاء الحرب الكبرى، هذه الحرب التى عُرفت بعد ذلك بـ«الحرب العالمية الأولى» بعد اندلاع «الحرب العالمية الثانية»، كان العالم فى عام ١٩١٨ يعتقد أن هذا العام شهد آخر الحروب، لكن أوروبا، بل العالم كله، انزلق من جديد فى عام ١٩٣٩ إلى حربٍ جديدة.
عودة إلى الحرب العالمية الأولى التى يحتفل العالم كله هذا الشهر بمئوية نهايتها.. اندلعت الحرب فى عام ١٩١٤ نتيجة حادث كان من الممكن أن يمر بهدوء وبكثير من الدبلوماسية، حادث اغتيال ولى عهد النمسا على يد طالب صربى، نتيجة العداء بين البلدين، لكن فجأة وجد العالم نفسه ينزلق سريعًا فى حرب كبرى شعواء، استمرت لمدة أربع سنوات.. فشلت الدبلوماسية قبيل الحرب فى استيعاب الأزمات، وأصبحت الكلمة لجنرالات الحرب.. كانت هذه النتيجة منطقية مع ازدياد سباق التسلح قبيل الحرب، وظهور الغواصات، واختراع الطائرة، وتطور سلاح المدفعية، وظهور سلاح الغاز.
بدأت الحرب أوروبية صرفة، بل على نطاق صغير، حيث أعلنت إمبراطورية النمسا والمجر الحرب على صربيا، لكن سياسة التحالفات العسكرية بين الدول، وتضارب المصالح، والرغبة فى تغيير الخرائط السياسية، دفع الجميع إلى الانزلاق إلى حافة الهاوية.
لم تعد الحرب مجرد حرب صغيرة وقصيرة بين إمبراطورية النمسا وصربيا، يمكن أن تنتهى فى أيام، لكن بدأت نيران الحرب تنتشر سريعًا فى أوروبا، إذ رأت روسيا أن التهام النمسا لصربيا يعنى سيطرة النمسا على العنصر السلافى فى البلقان، وأن مصالح روسيا فى البلقان فى هذه الحالة ستكون فى خطر، ولذلك كان لا بُد من دخولها إلى الحرب.. ورأت ألمانيا ضرورة وقوفها إلى جانب حليفتها النمسا والمجر وسيادة العنصر الآرى فى أوروبا.. ورأت فرنسا أن الخطر يداهمها، فهى لا بُد أن تقف إلى جانب حليفتها روسيا خشية سيادة النمسا وألمانيا فى وسط أوروبا وشرقها، وفى نفس الوقت لم تنسَ فرنسا أن عدوتها التقليدية ألمانيا لن تتورع عن غزوها، ومن هنا دخلت فرنسا الحرب.. وفى نفس الوقت كان رجل أوروبا المريض «الدولة العثمانية» فى طورها الأخير، وأرادت الدولة العثمانية الدخول إلى الحرب انتقامًا من عدوتها التقليدية روسيا، وأيضًا صربيا، التى أذلت الأتراك فى البلقان، فدخلت الدولة العثمانية الحرب لتلقى حتفها.. وحاولت بريطانيا العظمى لعب دور التهدئة والدبلوماسية قبيل الحرب، بل فى بدايتها، لكن تطور الأحداث دفع بريطانيا إلى الدخول فى الحرب إلى جانب حليفتها فرنسا، بعد اجتياح ألمانيا لبلجيكا وفرنسا.. وأخيرًا دخلت أمريكا الحرب فى عام ١٩١٧، فى محاولة لوضع نهاية لهذا الدمار الكبير الذى ترك آثاره على العالم كله.
وانتهت الحرب فى ١١ نوفمبر ١٩١٨، بانهيار إمبراطورية النمسا والمجر، وكذلك الدولة العثمانية، وهزيمة ألمانيا، ولكن الخسارة كانت للجميع، المنتصر والمهزوم. حتى إن أحد كبار الأدباء «باتريك أورشادنيك»، فى كتابه الممتع «أوربيانا» يصف الخراب وكثرة أعداد القتلى لدى الجميع، قائلًا: «كان طول طابور الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم فى الحرب يمتد إلى مسافة ٢٦٨١ كيلومترًا، وطابور الجنود الإنجليز ١٥٤٧ كيلومترًا، والجنود الألمان ٣٠١٠ كيلومترات، بمتوسط طول الجثة الواحدة ١٧٢ سنتيمترًا، وكان إجمالى طول طابور الموتى فى العالم ١٥٥٠٨ كيلومترات.. لذلك ما إن سكتت المدافع فى ١١ نوفمبر ١٩١٨، حتى خرج الناس إلى الشوارع يرقصون احتفالًا ببقائهم على قيد الحياة، لكنهم للأسف لم يعرفوا أنهم بعد سنوات قليلة ربما يموتون فى حرب أخرى».
هذه هى قصة ١١ نوفمبر، واحتفال العالم كله هذا الشهر بمئوية نهاية الحرب العالمية الأولى، والبحث عن السلام.