رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السادات.. بطل السلام ولكن «3-3»


- كانت خطوة زيارة السادات لإسرائيل فى عام 1977 خطوة جريئة لكنها أيضًا هزة عنيفة للعقل الجمعى العربى وإن كانت خطوة تجاه السلام

تعددت مناقب وخطايا أنور السادات، واختلف الكثيرون حول ذلك. البعض أشاد بالقضاء على ما عُرف بمراكز القوى، بينما رأى البعض الآخر فى ذلك خطوة على طريق القضاء على عهد عبدالناصر. وأشاد البعض بقرار الحرب فى ٧٣ واعتبروا السادات بطلًا للحرب، وعاب البعض على السادات تقاعسه عن الاستمرار فى الحرب، وأن السياسة خذلت المدافع.
رحب البعض بقرار طرد الخبراء الروس، وتحجيم العلاقات مع الاتحاد السوفيتى، بينما رأى فيه البعض مغازلةً لأمريكا، وعربونًا لعلاقات جديدة. ورحب البعض بسياسة السادات فى بداية حكمه بتوسيع هامش الحرية، وفتح المجال للإسلام السياسى، بينما رأى فيه البعض الآخر مغامرة ميكافيلية أراد بها السادات ضرب اليسار المصرى من خلال اليمين الدينى.
على أى حال بقىَّ السادات وسياساته مثارًا للجدل والخلاف بين الباحثين والمحللين، لكن تبقى خطوة السادات نحو السلام مع إسرائيل هى الأكثر إثارةً وجدلًا، بل هى الذريعة التى تحجَّج بها قتلة السادات فى عام ١٩٨١، حيث تم اغتياله تحت زعم أنه «خائن».
وبدايةً لا بد من تفكيك الأمر وإعادة بنائه من جديد حتى يستقيم لنا تقديم تحليل أكثر موضوعية وأقل تحيزًا بالنسبة لخطوة السادات نحو السلام مع إسرائيل. فى الواقع لم يكن السادات هو أول من بدأ خطوات نحو السلام مع إسرائيل، إذ كانت هناك طيلة القرن العشرين مباحثات وقنوات سرية، وأحيانًا مفاوضات غير علنية بين العرب وإسرائيل. إذ تذكر المصادر محادثات بين أبناء الشريف حسين وقيادات يهودية، حتى قبل قيام دولة إسرائيل، لكنها توقفت لأنها لا تتوافق مع حلم الدولة العربية الكبرى الذى قامت من أجله ثورة الشريف حسين فى عام ١٩١٦.
كذلك دخل العرب فى مفاوضات غير مباشرة من أجل الهدنة بعد حرب ١٩٤٨. وحاولت بعض الدول العربية حل القضية سلميًا مع إسرائيل، لا سيما الأردن والمغرب عبر قنوات غير مباشرة، لكن هذه المحاولات فشلت أمام التعنت الإسرائيلى.
حتى عبدالناصر لم يكن لديه مانع من إجراء سلام مع إسرائيل، وفُتِّحَت قنوات غير رسمية فى مطلع الخمسينيات، وقنوات أخرى بعد حرب ٦٧، لكن هذه المحاولات توقفت نتيجة التعنت الإسرائيلى، وعدم قبول عبدالناصر التفريط فى الحقوق العربية.
على ذلك لم يكن السادات أول من طرح فكرة السلام مع إسرائيل، لكنه أول من ذهب بعيدًا فى هذا الاتجاه. كانت خطوة زيارة السادات لإسرائيل فى عام ١٩٧٧ خطوة جريئة، لكنها أيضًا هزة عنيفة للعقل الجمعى العربى. وطبيعى أن يُحسَب للسادات سعيه نحو السلام، وحقن دماء جنوده، واستعادة أراضيه. لكن يؤخذ على السادات بشدة، وكذلك القادة العرب، الدخول فى مفاوضات بشكل منفرد مع إسرائيل، مما أضعف الموقف العربى، وهو ما حرصت عليه إسرائيل دائمًا.
كما يؤخذ على السادات أسلوب إدارته المفاوضات مع إسرائيل الذى اعتمد على العلاقات الشخصية بينه وبين بعض القادة الإسرائيليين، ما أدى إلى عدم قيام المفاوضات على شكل مؤسسى حقيقى، ودليل ذلك استقالة وزيرىّ الخارجية إسماعيل فهمى ومحمد إبراهيم كامل. وأدى ذلك أيضًا إلى وهن عملية السلام بعد اغتيال السادات.
سيظل السادات بطلًا للحرب والسلام.. ولكن.