رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزمة كلود ليلوش


أثارت إدارة مهرجان القاهرة السينمائى، أزمة بقرارها تكريم المخرج الفرنسى كلود ليلوش خلال الدورة التى ستعقد من ٢٠ إلى ٢٩ نوفمبر، قبل أن تصدر بيانًا تراجعت فيه عن تكريم ليلوش، ثم تراجعت عن تراجعها.
المهم هنا ليس القرارات التى اتخذها أو سيتخذها المنتج محمد حفظى، والتى لاقت معارضة حتى داخل إدارته، بل الأسس التى يعتمد عليها المهرجان فى اختيار المكرمين. فقد اختار كلود ليلوش الذى انتقل من دوره كمخرج سينمائى إلى دور الناشط السياسى الداعم لإسرائيل، حتى إنه حضر مناورات الجيش الإسرائيلى عام ١٩٩٠ بصحبة وفد من مائتين وخمسين متبرعًا لمنظمة «كيرين أور» الصهيونية التى تقيم المستوطنات على جثث ومنازل الفلسطينيين، وسجلت عدسات وكالة الأنباء الفرنسية زيارته هذه.
على أى أساس تم اختيار ليلوش؟، ولماذا مثلًا لم يتم اختيار المخرج جان لوك جودار الفرنسى الذى دافع عن القضية الفلسطينية فى فيلمه «هنا وهناك» ١٩٧٦ ووضع صورًا لهتلر إلى جانب صور جولدا مائير فى تشبيه لا يحتمل اللبس للطبيعة العنصرية؟. وعلى أى أساس تم اختيار ليلوش الذى تسلم دكتوراه فخرية من جامعة بن جوريون عام ٢٠٠٥ وجاء فى الخطاب الرسمى لمنحه الدكتوراه «أن أفلامه أسهمت فى تطور الدولة الإسرائيلية»؟، ولماذا لم يتم بدلًا من ليلوش، اختيار المخرج السينمائى الإسبانى بيدرو المودوفار الحائز على أوسكار، والذى وقع مع النجمة بنيلوبى كروز فى أغسطس ٢٠١٤ بيانًا يستنكر فيه العدوان الإسرائيلى على غزة ويصف العدوان بأنه «حرب إبادة جماعية»؟، أليس جان لوك جودار، وأيضًا بيدرو المودوفار مخرجين عظيمين لا يقلان عن ليلوش؟. لماذا نترك من يؤيدون الحق العربى ونتخير واحدًا يؤيد إسرائيل؟، ثم لماذا يختارون ليلوش وليس المخرج السينمائى البريطانى العظيم كين لوتش الذى دعا لمقاطعة إسرائيل والذى يقول (جريدة الأهرام ١١ نوفمبر ٢٠١٧) إن: «إسرائيل تخرق القانون العالمى وتستولى على أرض شعب آخر، وإن تضامننا مع الفلسطينيين هو تضامن مع العدالة وحقوق الإنسان». وعندما يكون لدينا كل أولئك المخرجين السينمائيين العظام، فنتخير منهم فقط كلود ليلوش، يصبح السؤال المشروع هو: على أى أساس سياسى وثقافى يختار مهرجان القاهرة الشخصيات التى يكرمها؟، إن كان على أساس الفن وحده، فكل الأسماء التى ذكرتها لا تقل بل تزيد على ليلوش، وإن كان على أساس قومى وطنى سياسى، فكل الأسماء التى ذكرتها تقف مع عدالة قضايانا. لكن السيد محمد حفظى يترك الجميع ويلقط «ليلوش» من دون الآخرين لتكريمه، علمًا بأن ليلوش- حسب شهادة محمد علال مدير مهرجان وهران الجزائرى- اختط طريق السياسة الإجرامى منذ أن كان شابًا يرافق جيش الاستعمار الفرنسى لتصوير الجزائريين المطالبين بالاستقلال فى ثوب قطاع الطرق!، وحين تسرد كل ذلك على أسماع البعض فإنه يهب قائلًا: «لا تربطوا الفن بالسياسة، ليلوش فنان عظيم، وتكريمه تكريم لفنه». طيب ليلوش فنان، وجان لوك جودار فنان، وأيضًا بيدرو المودوفار فنان، وكذلك كين لوتش. فلماذا اخترتم تكريم مخرج أسهم فى تطور دولة إسرائيل من دون كل أولئك الفنانين وغيرهم؟، ما المعايير التى تحكم عمل المهرجان فى هذه الحالات؟. أما عن كون ليلوش فنانًا فحسب، وعن خرافة انفصال الفن عن المجتمع، فإن كلود ليلوش نفسه يرد على المتمسكين بأنه فنان بقوله إن السياسة والفن وجهان لعملة واحدة!. ويقول فى تصريح بالفرنسية: «نعم أنا مهتم بالسياسة. السياسة بالنسبة لى هى قضية الإنسان. هى مثل الإيمان بالله». لكن اهتمامه بالسياسة للأسف ينصرف إلى تأييد المجازر الإسرائيلية ومعداتها وجيشها. وقد علق مالك خورى مدير قسم السينما بالجامعة الأمريكية على قرار تكريم كلود ليلوش، معتبرًا أن تلك الخطوة تطبيع واضح، وأن المشكلة مع «ليلوش»، لا تكمن فى مجرد زيارته لإسرائيل ١٢ مرة، بل فى مواقفه التاريخية الداعمة لإسرائيل، ومحاولاته المتعددة جمع الأموال لدعم الكيان الصهيونى وتشجيعه الهجرة إلى إسرائيل. وإذا كان بوسع محمد حفظى أن يغض النظر عن التطبيع، فإن التطبيع ما زال فى مقدمة قضايا الضمير المصرى الثقافى الذى جسدت مواثيق كل نقاباته موقفها الواضح منه. أما الذين يقولون لنا إن تكريم ليلوش تكريم للفن، والفن لا علاقة له بالسياسة، فإن عليهم أن يعيدوا النظر فى «فن» ليلوش الذى ارتأت الدولة الصهيونية أنه «أسهم فى تطويرها»!. قد يكون بوسعنا أن نغض النظر عن فن وفنان منصرف إلى ذاته لا تشغله جراح العالم، هذا حقه، لكننا لا نستطيع أن نغض النظر عن فن وفنان ينشغل بتأييد المجازر ويجمع لها التبرعات.