رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السادات بطل الحرب والسلام«2-3»


أخذ البعض على السادات عدم تطوير الهجوم فى سيناء رغم رأى بعض القادة العسكريين بضرورة تطوير الهجوم وعدم الاكتفاء بعبور القناة فقط

تتبعنا فى المقال السابق مسيرة تاريخ السادات، مع اهتمام خاص بأوجه النقد التى وجهت لسياساته، بل أحيانًا إلى طبيعة شخصيته. واليوم نتحدث عن الوجه الآخر للسادات، السادات بطل الحرب والسلام.
تولى السادات الحكم فى ظروف بالغة الصعوبة، إذ عصفت هزيمة ٦٧ بالحلم المصرى، بل بالحلم العربى. وخرج الشباب فى مظاهرات عارمة لأول مرة فى ١٩٦٨ رافضًا الأحكام الهزيلة لقادة الطيران، الذين تم تحميلهم عار الهزيمة. وفى الحقيقة لم يكن خروج الشباب اعتراضًا على هذا الأمر فحسب، وإنما أيضًا من أجل الإصلاح وسرعة إزالة آثار العدوان. واستجاب عبدالناصر لهذا الأمر، وقام بالعديد من مظاهر التغيير، سواء على المستوى الوزارى، أو حتى اختيار نائب له، حيث لم يجد خيرًا من أنور السادات، الصديق اللدود، والوحيد من أعضاء مجلس قيادة الثورة الذى استطاع تجنب العواصف السياسية والغضبة الناصرية، والبقاء بجانب ناصر حتى اللحظة الأخيرة.
ومع الوفاة الفجائية لعبدالناصر فى سبتمبر ٧٠، تولى السادات الحكم. وكانت السنوات الأولى له فى منتهى الصعوبة؛ فمن الناحية الدولية كان هناك شبه اتفاق بين القوتين العظميين، أمريكا والاتحاد السوفيتى، على بقاء الأمر على ما هو عليه فى الشرق الأوسط، هذه السياسة التى عرفت بسياسة اللا سلم واللا حرب. أضف إلى ذلك البخل المعهود للاتحاد السوفيتى فى تزويد مصر بالأسلحة المتطورة، فى مقابل الدعم الأمريكى الكبير لإسرائيل.
وعلى الساحة العربية مات ناصر ولا تزال هناك جفوة بينه وبين بعض الأنظمة العربية لا سيما الملكية منها، على الرغم من محاولات رأب الصدع منذ مؤتمر القمة فى الخرطوم ١٩٦٧.
ومحليًا دخل السادات فى صراع مبكر مع من أطلق عليهم هو مراكز القوى، وانتهى بحسم الأمر لصالح الشرعية. ولكن سرعان ما اندلعت مظاهرات الطلبة فى عام ١٩٧٢ مطالبةً بالحرب وإزالة آثار العدوان، والسخرية من السادات الذى وعد بعام الحسم، لكنه انتهى إلى لا شىء نتيجة ما أسماه «الضباب السياسى».
كان على السادات أن يتخذ قرار الحرب رغم كل هذه الظروف التى لم تكن فى صفه، لكنه بحق استطاع إكمال خطة إعادة بناء الجيش المصرى، هذه الخطة التى بدأها ناصر بعد هزيمة يونيو. وكان قرار الحرب من السادات مغامرة كبرى، مغامرة بمستقبله السياسى، إذا لا قدر الله حدثت الهزيمة، فلن تخرج الجماهير مرة أخرى، كما خرجت فى ٩ و١٠ يونيو لتجدد الثقة فيه كما حدث مع عبدالناصر، وإنما ربما تتم محاكمة السادات نفسه، وتحميله عبء ووزر الهزيمة. ولا أدل على هذا الموقف الصعب من تحليل مضمون أغانى عبدالحليم حافظ، إذ أصر حليم بعد هزيمة يونيو على بداية حفلاته الغنائية بأغنية «أحلف بسماها وبترابها»، وأعلن حليم أنه سيستمر على هذا المنوال حتى تحدث الحرب ويتحقق النصر، وتتم إزالة آثار العدوان. وبالفعل استمر حليم يردد هذه الأغنية حتى حرب أكتوبر وعبور الجيش المصرى إلى سيناء، حيث انطلق صوته بالأغنية الشهيرة:
عاش اللى قال الكلمة بحكمة.. وفى الوقت المناسب
عاش اللى قال لازم.. نرجع أرضنا من كل غاصب
عاش اللى قال.. للرجال عدوا القنال
عاش اللى قال.. يا مصرنا مفيش محال
عاش ليكى ابنك.. عاش اللى حبك
وأخذ البعض على السادات عدم تطوير الهجوم فى سيناء، رغم رأى بعض القادة العسكريين بضرورة تطوير الهجوم وعدم الاكتفاء بعبور القناة فقط. واتهم البعض السادات بالخيانة، أو خذلان السياسة للمدافع. والحق أن السادات كان متسقًا مع نفسه فى هذا القرار- بصرف النظر عن صحة القرار من عدمه- إذ أوضح السادات فى قراره للحرب أن الغرض تحريك القوات وعبورها، حتى يتم تحريك القضية، والبدء فى المفاوضات. وهذا الأمر فى الحقيقة يعبر عن اختلاف وجهة القائد العسكرى فى الميدان، عن السياسى الذى يرى أن الحرب وسيلة وليست غاية. على أى حال دخل السادات بعد ذلك إلى ملف صادم وأكثر جرأة وأكثر جدلًا وهو المفاوضات مع إسرائيل، واتفاقية السلام، وهو ما سنناقشه فى المقال المقبل.