رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أنور السادات«1-2»


تهل علينا هذه الأيام ذكرى مرور مائة عام على ميلاد الرئيس الراحل أنور السادات. ويعتبر السادات من الشخصيات الخلافية والمثيرة للجدل فى التاريخ. ويتفق كل من عبدالناصر والسادات فى سنة الميلاد، فكلاهما وُلد فى عام ١٩١٨. كما يشترك كلاهما فى النظرة إلى حزب الوفد، من حيث إنه لم يعد حزب الأمة، وضرورة إنهاء هذا الدور التاريخى، بل إسقاط النظام الملكى بجميع مؤسساته، وبناء العهد الجديد. ويتفق كلاهما- ناصر والسادات- فى النظر بحذر، بل ريبة، تجاه التيار الشيوعى الصاعد فى مصر، لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية.
يشترك السادات وعبدالناصر فى الاقتراب من جماعة الإخوان فى بدايات حركة الضباط الأحرار، ويذكر السادات إعجابه الشخصى آنذاك بالشاب الورِع حسن البنا. لكن كليهما- ناصر والسادات- أدرك مبكرًا، لا سيما فى الفترة من ١٩٥٣ إلى ١٩٥٤، شوق الإخوان إلى السلطة، وبالتالى كان حسم الصراع مبكرًا لصالح مجلس قيادة الثورة.
ومنذ الخمسينيات عُهِد إلى أنور السادات بملف العلاقات مع العالم الإسلامى، وسواء رجع ذلك إلى الطبيعة الريفية المحافظة للسادات، أو نفور السادات من اليسار والعمل مع رجاله، إلا أنه ترتبت على ذلك علاقات وثيقة للسادات بدول إسلامية إقليمية، وانضمام السادات إلى الجناح اليمينى فى النظام، هذا الجناح الذى كان فى حالة صراع خفى مع اليسار طيلة الفترة الناصرية. وتوضح مذكرات سيد مرعى الشكوى المتبادلة بين سيد مرعى والسادات أثناء رئاسته مجلس الأمة من تغلغل نفوذ اليسار فى الاتحاد الاشتراكى. وربما هذا يوضح الصدام المبكر بين السادات عشية توليه الحكم، ومن أطلق عليهم «مراكز القوى»، هذا الصدام الذى بلغ ذروته فى ١٥ مايو ١٩٧١، حيث نجح السادات فى الإطاحة بهم فيما أطلق عليه «ثورة التصحيح»، مع ما فى هذا المصطلح من مبالغة شديدة، فلم يكن الأمر فى حقيقته إلا صراعًا على السلطة، وإن كانت الشرعية مع السادات.
وازداد حنق السادات على اليسار خاصة مع مظاهرات الطلبة فى عام ١٩٧٢. هذه المظاهرات التى خرجت أصلًا لتعبر عن سخط الشباب من تأخر موعد الحرب وإزالة آثار العدوان، ثم مظاهرات الخبز فى ١٩٧٧. لكن كان للسادات رأى آخر فى هذه الأحداث، إذ اشتم فيها رائحة اليسار، وأن المحرك الرئيسى لها أندية الشباب الناصرى وأندية الشباب التقدمى فى الجامعات المصرية. لذلك رأى السادات أنه لا استقرار للأوضاع الداخلية، من وجهة نظره، إلا بالتصدى لسيطرة اليسار على الحياة الطلابية فى الجامعات.
صاحب ذلك عودة العلاقات الحميمية بين السادات والقوى الإسلامية الإقليمية، ودخول الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتى إلى ذروتها فى منطقة الشرق الأوسط، ونفور السادات التقليدى من الاتحاد السوفيتى واليسار عامة. وعبر نصائح إقليمية ومحلية عالية المستوى، وصل السادات إلى يقين أنه لا يستطيع الوقوف فى وجه اليسار و«الأفندية الأراذل» سوى التيار الدينى. وتصور السادات أنه برفعه شعار «دولة العلم والإيمان» وأيضًا شعار «الرئيس المؤمن»، يستطيع تغيير الأيديولوجيا السائدة من اليسار إلى اليمين، وأيضًا السيطرة على التيار الدينى لأنه كبير العائلة المصرية.
وسيرًا على طريق تغيير الأيديولوجيا والمسار، كانت دعوة السادات إلى «الانفتاح الاقتصادى» ونهاية عصر الاشتراكية أو شبه الاشتراكية. لكن إدارة ملف الانفتاح الاقتصادى لم تكن على النحو الجيد، وأحدث ذلك هزة عنيفة داخل المجتمع المصرى. ووصف الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين هذا الوضع بأنه «انفتاح سداح مداح».
ووصل الأمر فى نهاية عصر السادات، إلى أن المعسكر المُعادى له أصبح يمثل تقريبًا معظم القوى السياسية، اليسار واليمين، وانقلب السحر على الساحر؛ إذ انقلب تيار الإسلام السياسى على الرئيس المؤمن، ويتم اغتيال الشهيد أنور السادات فى يوم عُرسه ٦ أكتوبر ١٩٨١.
لكن كل ذلك لا يُنسينا ملفًا آخر، وهو السادات بطل الحرب والسلام.