رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مكاريوس.. المعلم الراعى


أوافق على ما جاء على لسان الإعلامى الأكاديمى المتميز «محمد الباز» على هواء برنامجه «٩٠ دقيقة»، فى تعقيبه على رسالة بعث بها نيافة الأنبا «مكاريوس»، أسقف المنيا، مؤخرًا إلى السيد الرئيس «السيسى»، بأن الرسالة فى جانبها الإيجابى تشير إلى متغير قد حدا بالأقباط للتحرك بمظالمهم بكل إيمان بحقوق المواطنة إلى المسئول عن تلبية حقوق كل المصريين، بداية من المسئول المباشر وصولًا إلى رئيس كل المصريين.
ذلك يحدث الآن بعد أن كان المتظلم القبطى من وقوع أى ظلم اجتماعى أو إنسانى عليه عبر توجه عنصرى أو طائفى أو مذهبى يذهب إلى الكاتدرائية لرفع الشكوى أو المظلمة، وكأنه ليس شأن مواطن مصرى، أما الجانب السلبى الذى يشير إليه أمر كتابة مذكرة إلى رئيس الجمهورية، فهو أن هناك مؤسسات لم تقم بعملها مما اضطر ذلك الحبر الجليل للتوجه مباشرة بمناشدة والاستغاثة برئيس الجمهورية.
وما زلنا نذكر ما حدث مع محافظ سابق للمنيا، عندما أصدر الأنبا مكاريوس بيانًا يتعلق بوصف الأحداث، فكان الرد من قبل المحافظ هو إصدار بيان فى مشهد عبثى غريب بدلًا من قيام سيادته بتكليف جهات التحقيق واستدعاء الشاكى، خصوصًا أن الأمر يتعلق بسلام وأمن منطقة تابعة لمحافظته.
نعم، لقد بعث الأنبا مكاريوس، أسقف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى المنيا، بمذكرة إلى رئاسة الجمهورية، بشأن أزمة أقباط قريتى «عزبة سلطان» و«دمشاو هاشم»، وقال فيها: «بالنيابة عن أقباط القريتين. نحبكم ونثق بكم ونقف إلى جواركم ونصلى لأجلكم فى كل حين، كما نتابع العمل العظيم الذى تقومون به لأجل مصر والمصريين». وأضاف: «نثق فى أن مشاكلنا ستحل بفضل سياستكم الحكيمة، وتأكيدكم على نشر قيم المساواة وحقوق المواطنة وحرية العبادة.. حمى الله مصر والمصريين من كل شر ومكروه بصلوات أبينا البطريرك البابا تواضروس الثانى».
جدير بالذكر أن صاحب هذه الرسالة النبيلة، التى صاغها بمسئولية المواطن الحريص على أمن وسلامة الوطن، أنه وقبل خمس سنوات فتح متطرفون النار على سيارته، التى كان يستقلها متجهًا إلى قرية السرو التابعة لمركز أبوقرقاص، جنوب المنيا، لتأدية واجب عزاء، وقال حينها: «حياتى الشخصية لا تزيد فى قيمتها على حياة أى شخص فى المنيا، لكن من حق السكان فى أى مكان أن يشعروا بالأمان».
وبكل صدق وتقدير وشفافية، علق نيافته على واقعة إصابة ٣ أشخاص وتلفيات بـ٤ منازل فى اشتباكات طائفية فى محافظة المنيا، قائلًا: «اللى حصل نوع من التطور الاستباقى لمنع الأقباط من المطالبة ببناء كنائس فى المحافظة». وطرح سؤالًا: «المحتجون على بناء كنيسة لماذا قاموا بالنهب والسرقة؟!»، مشيرًا إلى أن الأقباط يسعون جاهدين لفتح الكنائس المغلقة فى محافظة المنيا، إلا أن إجراءات الفتح تأخذ وقتًا طويلًا.
ذكر تقرير مهم للمحرر الصحفى «نعيم يوسف» فى الاحتفالية بيوم رهبنته الـ٣٩ العام الماضى على موقعنا الرائع «الأقباط متحدون»، أنه وبعد تنصيب البابا تواضروس الثانى، بطريركًا، فى نوفمبر ٢٠١١، أصبح الأنبا مكاريوس مشرفًا على إصدار مجلة الكرازة، التى تصدرها بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالقاهرة، وبعدها ظهر الأنبا مكاريوس بقوة خلال الأزمات التى تعرض لها أقباط المنيا عقب ثورة الثلاثين من يونيو، وأبرزها أزمة تجريد سيدة مسنة من ملابسها وسحلها فى القرية، وهى المعروفة باسم قضية «سيدة الكرم»، وقد اشتهر الأنبا مكاريوس بثقافته الواسعة التى تتجاوز حدود العلم الكنسى والدينى، فلقبه الأقباط بأديب الكنيسة، وله العديد من الكتب والقصص أبرزها: «فضية الشكر، وتكوين العادة، وتقديس الحاضر، والاستنارة فى حياة الآباء، والحياة الأبدية، ومفتدين الوقت»، و٥ كتب لتفسير بعض الأسفار القانونية.يشتهر الأنبا مكاريوس أيضًا بتواضعه، حيث تنتشر له العديد من الصور يجلس على الأرض مع أبناء إيبارشيته، وهو يتفقدهم، بالإضافة إلى أنه كتب العديد من الكتب ولم يكتب عليها اسمه بل حملت توقيع «راهب من دير البراموس».
فى مشهد مؤلم، تواترت المشاهد الإنسانية والروحية للمعلم الراعى، وقرأنا فى تعليقات صحفية «لقد وجده الأقباط يترأس الصلاة فوق حطام كنيسة العذراء بقرية الإسماعيلية بالمنيا، ويقيم الصلاة فى منزل عجوز لا تقوى على الذهاب للكنيسة، ويمسك بيد معلمه المسن الأنبا أرسانيوس أسقف المنيا السابق، ويلتقط الصور (السيلفى) مع الأطفال، ويتابع أعمال البناء، ويغسل أرجل الشعب، مفضلًا الجلوس على الأرض. كانت أبرز مشاهده، التى زادت من تعلق الأقباط به، صلواته فى كنيسة الأمير «تادرس الشطبى» بالمنيا، التى دُمرت بيد الإرهاب، وإقامة مراسم خطبة لعروسين فوق الأنقاض فى الطل، وخلفه جمع من رعايا الأقباط».
تحية للمعلم الراعى الراهب صعب المراس فى سعيه للحق. ونأمل أن يتم تكليفه ليقوم بتعليم وتدريب بعض الأساقفة مثل أسقف المحاكمات الكنسية المتشدد وصاحب التصريحات الصعبة، وليمنح الكثير من الدروس لأسقف الأحوال الشخصية المصاحب لتيارات التشدد البرهامية، التى وصف دورها ورسالتها وأصحابها بـ«أنهم وطنيون حتى النخاع».. حتى كان ما كان وحالة إخفاق فى خروج قوانين ومواد دستور غير مكتملة النضج وغير داعمة لمبادئ المواطنة.