رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جمال حمدان والقضية الفلسطينية «2-2»‏


هكذا تكوَّن وعى جمال حمدان وجيله كله بأهمية القضية الفلسطينية، وبأن إسرائيل هى العدو الأول، وأن المعركة ليست فقط معركة عسكرية، بل أيضًا حضارية بالأساس. لذلك لم يكن غريبًا أن يبدأ هذا ‏الجيل مرحلة جديدة من مراحل الدراسات العربية لإسرائيل.. ربما بدأ هذا الجيل دراسته مدفوعًا بشعار «اعرف عدوك»، ولكن من خلال دراسة علمية متأنية لا تقوم على مجرد الشعارات أو شيطنة العدو، ‏وإنما دراسة لماذا إسرائيل؟ ولماذا نكبة ٤٨؟ وبعد ذلك لماذا نكسة ٦٧؟، وكيف نواجه إسرائيل؟.‏
من هنا يكتب أحمد بهاء الدين قبيل حرب ٦٧ مقالاته التى تحوّلت إلى كتاب «إسرائيليات»، ثم بعد النكسة يُعيد نشر ذلك مع مقالات جديدة عن النكسة تحت اسم «إسرائيليات وما بعد العدوان».. كما يُصدر ‏جمال حمدان نفسه فى عام ١٩٦٧ كتابه المهم «اليهود أنثروبولوجيًا»، ويوضح عبدالوهاب المسيرى، وهو أحد أهم من درس الإسرائيليات، مدى تأثير كتابات جمال حمدان عليه فى هذا الجانب، ليبدأ المسيرى ‏منذ السبعينيات فى إصدار دراساته المهمة فى هذا الشأن، ويتوّجها بموسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية».‏
ويوضح جمال حمدان مدى هشاشة الدراسات العربية السابقة فى مجال الإسرائيليات، ومدى سيطرة العامل الأيديولوجى عليه:‏
‏«إن أغلب كتاباتنا فى العربية عن العدو الإسرائيلى تأخذ فى جملتها الصيغة السياسية المباشرة أو غير المباشرة التى تعامل العدو كمعطيات مفروغ منها، أو ككم معلوم بدرجة أو بأخرى دون أن تحاول أن ‏تنفذ إلى حقيقة كيانه وتركيبه، فالكل يهود أو صهيونيون، والكل يعيش فى كنف الاستعمار وحمايته... وباتت الصورة باهتة غائمة بالغة السطحية، وتبدو أحيانًا كما لو كنا نطارد شبحًا!!».‏
لذلك يبدأ حمدان دراسته بمنهج أنثروبولوجى من أجل تقديم: «دراسة علمية محققة تقتنص هذا الشبح، تجسده، ثم تشرحه أصلًا وتاريخًا، جنسًا وتركيبًا، تطورًا وتوزيعًا».. هكذا يصبح حمدان من رواد ‏الدراسات العلمية العربية الرصينة فى مجال الإسرائيليات بعيدًا عن الديماجوجية المطلقة أو الأيديولوجية المفرطة.‏
ويوضح حمدان بشكل علمى ودون رطانة سياسية، كيف نشأت إسرائيل على أنقاض فلسطين من أجل تمزيق شطرى العالم العربى:‏
‏«بدلًا من فلسطين التى توحد شطريه- العالم العربى، والتى تمثل نقطة عبور بينهما، تظهر إسرائيل التى تمثل فاصلًا أرضيًا يمزق اتصال المنطقة العربية ويخرب تجانسها ويمنع وحدتها.. ونزيفًا مزمنًا ‏لموارد العالم العربى».‏
كما يوضح حمدان أهمية فلسطين استراتيجيًا بالنسبة لمصر، وأن الدفاع عن فلسطين هو قضية أمن قومى مصرى بالأساس الأول:‏
‏«من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول.. من يسيطر على سيناء يتحكم فى خط دفاع مصر الأخير ويهدد الوادى».‏
هكذا كان وعى حمدان وجيله بأهمية القضية الفلسطينية، وأنها قضية أمن قومى عربى ومصرى أيضًا.‏