رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

1968؟


1968 هو عام فرض التغيير فى القيَّم السياسية والاجتماعية بنزول الطلاب والعمال إلى الشارع فى حالة حمى اجتاحت معظم بلدان العالم وكانت أشدها فى فرنسا

١٩٦٨، هذا العام المثير فى تاريخ العالم، حتى أطلق عليه البعض عام الشباب والتغيير. ويحتفل العالم كله هذه السنة بمرور خمسين عامًا على تغيير العالم، فماذا حدث فى هذا العام، فى العالم وبصفةٍ خاصة فى مصر؟
١٩٦٨ هو عام فرض التغيير فى القيَّم السياسية والاجتماعية بنزول الطلاب والعمال إلى الشارع فى حالة حمى اجتاحت معظم بلدان العالم وكانت أشدها فى فرنسا. كانت هذه الحركة فى الحقيقة تعبيرًا حقيقيًا عن ضرورة تغيير منظومة القيَّم التى حكمت العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وانعكس هذا التغيير على المبادئ الحاكمة لمفهوم الحرية الشخصية ووضعية المرأة والأقليات وأوضاع العمال. وتأثرت الجامعات بشدة بهذه الحركة، حتى أنه يتم التفريق بين الأساتذة بين جيل ما قبل ٦٨، وجيل ما بعده.
ونبهنا الدكتور وحيد عبدالمجيد فى مقالٍ له إلى أن العالم يحتفل هذا العام بمرور خمسين عامًا على هذه الأحداث، وطرح فكرة ما تبقى من عام ٦٨، وتأثير ذلك على مصر.
فى الحقيقة كان هذا العام حاسمًا فى تاريخ مصر.. نعم حدثت الهزيمة فى ٦٧، ولكن الشعب لم يفُق منها إلا فى ٦٨، وكانت مناسبة محاكمة قادة الطيران والأحكام الهزلية التى صدرت ضدهم، وعدم وضوح أسباب هزيمة ٦٧ الشرارة التى أطلقت مظاهرات الطلاب والعمال فى الشوارع لأول مرة منذ عام ١٩٥٤.
والحقيقة أن هذه المظاهرات هزت عبدالناصر بشدة، إذ كيف يخرج أبناء الثورة فى مظاهراتٍ مضادة للثورة؟ ولكن استطاع عقلاء النظام تهدئة عبدالناصر وتوضيح أن هذه المظاهرات ليست ضد النظام، ولكن لتصحيح بعض أخطاء النظام، وأن هؤلاء الشباب هم أولاد عبدالناصر، وأنه لا بُد من التغيير والاستجابة لهذا المطلب لاستمرارية الثورة.
وبالفعل يحترم عبدالناصر إرادة التغيير، وكان صدور بيان ٣٠ مارس ١٩٦٨ هو بمثابة استجابة فعلية لذلك. وكان من أهم بنود هذا البيان، الذى اعتُبِر وثيقة الإصلاح، هو الإعداد لصدور دستور دائم للبلاد، هذا الدستور الذى لم تُتِّح الأقدار لعبدالناصر رؤيته، إذ صدر الدستور فى عام ١٩٧١ بعد وفاته.
لم تقتصر آثار حركة ٦٨ على الجانب السياسى فقط، وإنما امتدت لتشمل جوانب الثقافة والفن. إذ يصدر مجموعة من شباب الأدباء فى ذلك الوقت مجلة «جاليرى ٦٨» لتكون منبرًا مستقلًا لهذا الجيل، وكان دينامو ذلك إبراهيم منصور، كما شارك فى هذه الحركة إبراهيم فتحى وإدوار الخراط وغيرهما.
وفى السينما تكونت جماعة السينما الجديدة، فى محاولةٍ للخروج بالفن السابع من أزمته، وكان من أهم روادها سمير فريد وعلىّ عبدالخالق وغيرهما. ولعل أهم ثمرة لهذه الجماعة فيلم «أغنية على الممر»، الذى يجسد رفض الأمة لهزيمة ٦٧، كما يقدم شكلًا جديدًا للإخراج السينمائى، لم تعتاده السينما المصرية.
وامتد التغيير ليشمل حركة مراجعة التاريخ، نعم كانت هزيمة ٦٧ هى نقطة التحول لأنها طرحت السؤال الصعب «لماذا هُزِمنا؟»، لكن حركة ٦٨ دفعت مراجعة التاريخ للأمام، وأدرك الجميع أن تاريخ مصر لا يبدأ مع ثورة ٢٣ يوليو، ويحتفل أهرام هيكل فى عام ٦٩ بمرور خمسين عامًا على ثورة ١٩، فى تصالحٍ بين الثورتين، وتخرج لنا كتابات صلاح عيسى وطارق البشرى ولويس عوض فى محاولةٍ لفهم «لماذا هُزِمنا؟».
إنه بحق عام فارق فى تاريخ مصر والعالم.