رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة يوليو.. القطيعة والاستمرارية فى التاريخ المصرى «2-2»


تعود ثورة يوليو إلى التصالح مع التاريخ بعد هزيمة ١٩٦٧، فى إطار حركة المراجعة، وإعادة قراءة التاريخ من جديد. ويأتى ذلك فى عصر عبدالناصر نفسه، وعلى يد أحد أبرز رموزها الصحفية والسياسية محمد حسنين هيكل، فى عام ١٩٦٩، وبمناسبة مرور خمسين عامًا على ثورة ١٩، إذ يحتفل الأهرام بهذه المناسبة ويُصدر كتابًا تذكاريًا عن هذه الثورة، ويكتب هيكل مقدمة هذا الكتاب، شارحًا القطيعة التى حدثت بين الثورتين، ومحاولًا رأب الصدع فى هذا الشأن.
يقول هيكل:
«كان نشر هذا العمل وتوقيته، فى تحية صفحة من أهم صفحات التاريخ المصرى الحديث وهى ثورة سنة ١٩١٩، ومرور خمسين عامًا على قيامها».
ويعمل هيكل على إجراء مصالحة تاريخية بين الثورتين، ثورة ١٩ وثورة ٥٢ فى أكبر عملية مراجعة عرفتها مصر:
«إن تاريخ مصر الحديث تعرض لحملة من سياط التعبيرات المطلقة والسهلة، تدمغ الماضى إجمالًا، وتظن بذلك أنها ترضى الحاضر، ناسية أن الحاضر مهما كان اختلافه عن الماضى، ولد فى أحشائه وبدأ فيه، وبالتالى فإنه ليس هناك ذلك الانغلاق الكامل بين عهد بائد وعهد جديد قام على أطلاله».
إن هذه العبارة الموجزة التى ذكرها هيكل تلخص فى الحقيقة إشكالية القطيعة والاستمرارية فى التاريخ المصرى، وتطرح على مائدة البحث والدراسة مدى مصداقية المقولات الجاهزة المطلقة التى تشيع على ألسنة الجميع فى زمن الثورات.
وتقدم ثورة ٢٣ يوليو درسًا مهمًا فى أدب الاعتراف، واحترام حقائق التاريخ على لسان أحد أهم أبنائها، وهو هنا أيضًا هيكل قائلًا:
«ومن نتيجة ذلك أن ساد تصور سطحى بدا معه خطأ، وكأن تاريخ مصر الحديث لم يبدأ إلا بعد ٢٣ يوليو ١٩٥٢، وكان ذلك إهدارًا غير مقبول، كما أنه غير صحيح، لصفحات مهمة من تاريخ مصر الحديث جرت وقائعها قبل سنة ١٩٥٢».
لكن الإشكالية تعود من جديد مع ثورة ٢٥ يناير، هذه الثورة التى أبهرت العالم بحق، مثلما أبهرت ثورة ١٩ وثورة ٥٢ العالم أيضًا، لكننا هذه المرة لم نُحسِن استغلال وتوظيف هذه الثورة من أجل بناء مصر الجديدة.
وللأسف تكرر نفس الخطأ إذ روَّج البعض أن ثورة ٢٥ يناير هى ثورة الشباب، وأنه لأول مرة فى تاريخ مصر الحديث، يقوم الشباب بثورتهم، متناسين أن ثورة ١٩١٩ اندلعت بفضل الشباب، طلاب المدارس العليا، والمدارس الثانوية، وأن ثورة ٥٢ قامت على أكتاف الضباط الأحرار، وكان عمر عبدالناصر آنذاك ٣٤ عامًا، بينما كان معظم الضباط الأحرار أصغر من ذلك سنًا.
وروَّج البعض أن ثورة ٢٥ يناير، هى الثورة الشعبية الأولى فى تاريخ مصر، وأن ميدان التحرير قد شهد ميلاد هذا التطور المهم، متناسين أن هذا الميدان حاضر فى الثورات والانتفاضات المصرية منذ ثورة ١٩ وحتى ٢٥ يناير.
ولم يدرك البعض أن ثورة ٢٥ يناير كانت تعبيرًا عن مطالب ثورتى ١٩ و٥٢ والتى تتلخص، فى الحقيقة، والعدالة الاجتماعية والديمقراطية؛ «عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية».
ومع محاولة اختطاف الثورة على أيدى الإسلام السياسى، قامت الموجة الثانية لثورة ٢٥ يناير فى ٣٠ يونيو، ونجحت فى استرداد الثورة من جديد. لكن الغريب أن البعض أراد أن يرجعنا من جديد لنفس المشكلة المزمنة فى التاريخ المصرى، القطيعة بين الثورات، إذ روَّج البعض لمقولة زائفة مفادها أن ثورة ٢٥ يناير مؤامرة، بينما ثورة ٣٠ يونيو هى ثورة على هذه المؤامرة، واسترداد مصر لسابق عهدها.
هكذا عدنا من جديد إلى البدء من لا شىء، وإلى القطيعة فى التاريخ. لكن الدستور المصرى لحسن الحظ حسم هذا الأمر فى مقدمته المهمة التى عمل فيها على إبراز عامل الاستمرارية فى التاريخ المصرى، والتواصل بين الثورات، رافضًا فكرة القطيعة.
إن البطل الحقيقى هو الشعب المصرى، وهو عامل الاستمرارية فى الثورات المصرية.