رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مهرجان السينما الإسلامية فى «قازان»


تستعد «قازان» عاصمة تتارستان للاحتفال بالمهرجان الدولى الرابع عشر للسينما الإسلامية، الذى سيقام هذا العام ما بين ٤ و١٠ سبتمبر، وتشارك فيه مصر والعراق ولبنان والمغرب والإمارات وسوريا والسودان وتونس وغيرها. وتشغل تتارستان موقعًا خاصًا فى التاريخ الروسى، فهى تقع على نهر الفولجا فى قلب روسيا، وفى القرن الثالث عشر كانت قبائل تتار الفولجا قوية لدرجة أنها كانت تفرض على الإمارات الروسية المنقسمة إتاوة، إلى أن أخضع القيصر الروسى «إيفان الرهيب» قازان عام ١٥٥٢. وقد اعتنق التتار الإسلام قبل عام ٩٢٢ ميلادية، وهو العام الذى زارها فيه العالم والرحّالة أحمد بن فضلان مبعوثًا من الخليفة العباسى، المقتدر بالله، لنشر الإسلام. ولا تزال تتارستان، إلى الآن، تحتفل بذكرى تلك الزيارة سنويًا.
مع أن عدد سكان تتارستان لا يتجاوز أربعة ملايين، إلا أن إجمالى عددهم فى روسيا يصل إلى سبعة ملايين، أى ما نسبته نحو خمسة بالمائة من سكان روسيا. وقد ظل أثر التفاعل الثقافى الإسلامى المسيحى بين التتار والروس قائمًا بقوة، حتى إن لينين زعيم البلاشفة قال ذات مرة: «إذا حككت جلد أى إنسان روسى ستجد تحته مواطنًا تتاريًا». أما عن مهرجان سينما الأفلام الإسلامية فقد أسسته وزارة الثقافة التتارية عام ١٩٠٥، وترعاه جهات عديدة، منها «مجلس المفتين فى روسيا»، و«المركز الثقافى الإسلامى بروسيا». وقد وجد المهرجان إقبالًا من دول إسلامية كثيرة فى ظل شعاره الثابت: «إلى ثقافة الحوار عبر حوار الحضارات»، حيث تعرض الأفلام التى تؤكد القيم الإنسانية والحضارية والتسامح الدينى. وكل هذا جميل للتواصل مع الشعب التتارى، والتعرف إلى ثقافته، وتوطيد العلاقات العربية- الروسية من بوابة تتارستان.
لكن السؤال الملح هو: هل هناك سينما إسلامية ليقام لها مهرجان خاص بها؟! أسأل لأن القول بأن هناك «سينما إسلامية» يفترض مباشرة أن هناك أيضًا «سينما مسيحية»! وفى الحالتين، فإننا نجد أنفسنا أمام تعريف الفن بالدين، بينما تُعرف الفنون عامة بالقوميات أو اللغات. وعلى سبيل المثال فإن الفرنسيين والبريطانيين والإسبان كلهم مسيحيون، لكن هناك سينما فرنسية وبريطانية وإسبانية وروسية وكل واحدة منها تختلف عن الأخرى، بحكم اختلاف تاريخ كل شعب ودرجة تطوره الفنى والاجتماعى والاقتصادى. أما الذين يدعون إلى «سينما إسلامية» فإنهم يعتقدون بحسن نية أن الفن قد يكون دينيًا، إسلاميًا، أو مسيحيًا، أو بهائيًا، إلى آخره، فيخلطون بين مجالين مختلفين فى الموضوع وفى وسائل التعبير.
الدين يقين، والفن شكوك. الدين إجابة ومستقر، والفن حيرة وبحث، الدين دعوة أخلاقية، أما الفن فهو تشريح للأخلاق ولأسباب تدهورها أو تساميها، والدين خزانة القيم الإنسانية العامة التى جُعلت لتصلح لكل العصور وكل البشر، أما الفن فإنه يعالج قضايا بشرية محددة فى ظرف اجتماعى وتاريخى محدد، يعلو منها إلى منظور إنسانى عام، لكنها تظل قضايا اجتماعية ذات جذور ملموسة. الدين مهتم بالانتماء الدينى، أما الفن فإن اهتمامه ينصب على سلوك البشر الإنسانى والوطنى والاجتماعى، وليس انتماء البشر إلى هذه الديانة أو تلك.
وعندما نرى فيلمًا مثل «المنبوذ»، بطولة توم هانكس، فإن آخر ما يعنينا هنا هو ديانة البطل الذى لفظته باخرة وعاش وحده فى جزيرة، بل إن كل ما يعنينى هو القدر الذى تُجسد به مأساة المنبوذ مآسى البشر جميعًا. وإذا تذكرنا فيلمًا شهيرًا مثل «لا وقت للحب» بطولة رشدى أباظة وفاتن حمامة عام ١٩٦٣، فإننا لن نجد فيه شيئًا مما يسمى «السينما الإسلامية»، فالفيلم يتناول فترة المقاومة الشعبية للاحتلال الإنجليزى قبل الثورة.. أين الإسلام فى ذلك؟.
إن الدعوة لمهرجان «أفلام السينما الإسلامية» يظلم بعنوانه الإسلام، ثم السينما، ثم أيضًا يظلم شعار المهرجان المعلن، وهو التأكيد على القيم الإنسانية والحضارية والتسامح الدينى، لأن التسامح الدينى يبدأ بالبحث عما هو مشترك بين البشر، وليس عما يفرقهم ويشتت جمعهم، والمشترك بين البشر كان- وما زال- هو الوطن، لهذا لم تكن محض مصادفة أن تستقر الحركة الوطنية المصرية منذ ١٩١٩ على شعار: «الدين لله، والوطن للجميع»، ويمكن ترجمة ذلك الشعار فى حالتنا الراهنة إلى: «الدين لله، والسينما للجميع».