رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى حب السينما


«بحب السيما»، هى عبارة نرددها كثيرًا، نعم كلنا نحب السينما، هذا السحر الجديد الذى لوَّن حياتنا جميعًا بالبهجة أحيانًا والشجن أحايين أخرى.
ربما لا يُدرك البعض مدى التأثير الكبير الذى صنعته السينما فى صناعة الوعى الجمعى للشعوب، إلى الحد الذى قيل فيه إن السينما بحق هى التاريخ الحىّ للقرن العشرين.
ولكن ما بال الحكام، هل يتأثر حكامنا بالسينما؟ هل يرى هؤلاء السينما؟ هل ينزل الحاكم من علياء الحكم ليجلس أمام الشاشة الساحرة ويترك نفسه لها، هل يضحك هؤلاء مثل العامة أمام الفيلم الكوميدى؟ هل تتحرك عواطفهم أمام الفيلم الرومانسى؟ هل يؤخذون أخذًا أمام فيلم الأكشن؟.
هى أسئلة يطرحها المؤرخ على نفسه إذا أراد أن يكتب تاريخًا آخر غير التاريخ الرسمى، التاريخ الذى يظهر فيه الحاكم أمام الكاميرات، وليس أمام شاشة السينما.
إذا بدأنا بالملك فاروق، هذا الملك الشاب الذى تولى الحكم وهو لا يزال طفلًا، تولى تقريبًا وهو فى السادسة عشرة من عمره، وتنازل عن الحكم وهو شاب عمره ٣٢ سنة. إذ كانت فترة حكمه هى تقريبًا فترة المراهقة والشباب فى عمر أى شاب عادى، والسينما فى تلك الأوقات هى الساحرة التى تأخذ لُب أى شاب. وبالفعل كان فاروق عاشقًا للسينما، وفى عهده بدأ دعم الدولة للسينما، وكانت وزارة الشئون الاجتماعية هى المسئولة عن هذا الملف. ودأب فاروق على حضور حفلات افتتاح الأفلام، وأصبح العديد من كبار الفنانين من الأصدقاء المقربين إليه، وأصبح من ألقابه «راعى الفن»، وتغنى بهذا اللقب كبار المغنين. واستُغِلَت السينما للدعاية السياسية لنظام حكمه، ولأسرة محمد علىّ، الأسرة العلوية، ولعل خير شاهد على ذلك الأوبريت الشهير الذى قامت بأدائه أسمهان فى فيلم «غرام وانتقام» وتم حذفه من الفيلم بعد ثورة ٢٣ يوليو.
أما عبدالناصر، الزعيم الكاريزما، فربما لا يعرف الناس مدى حب عبدالناصر للسينما والفنانين، وكانت مشاهدة الأفلام من الهوايات المحببة لدى ناصر، وهناك قاعة عرض سينما فى بيته فى منشية البكرى، وكان ناصر حريصًا على مشاهدة الأفلام الجديدة، لا سيما الأفلام الأمريكية.
كما استُغِلَت السينما استغلالًا جيدًا للدعاية لنظام ثورة ٢٣ يوليو، فعلى سبيل المثال أصبح الفيلم الشهير «رد قلبى» هو المصدر الأساسى لأجيال عديدة عن مساوئ الفترة الملكية والحتمية التاريخية للثورة، بصرف النظر عن تقييمنا للفيلم، وكان فيلم الناصر صلاح الدين دعاية سياسية مباشرة، لدرجة الربط بين «الناصرين» صلاح الدين وعبدالناصر، كما كرم ناصر العديد من كبار الفنانين، وكان عيد الفن من المناسبات التى يحرص عليها ناصر.
أما السادات فكان من العاشقين للسينما، حتى تردد أنه عمل بالتمثيل فى فترة من حياته. ونتذكر جميعًا قصة ذهابه إلى السينما ليلة قيام ثورة ٢٣ يوليو. ومع وصول السادات إلى الحكم كان حرصه الشديد على مشاهدة عرض خاص للأفلام الجديدة، وربطته صداقات كثيرة وعميقة بالعديد من الفنانين، كما تم استغلال السينما فى الدعاية المضادة لعصر عبدالناصر والترويج للعهد الجديد عصر السادات، من هنا ظهرت موجة أفلام الكرنك وزائر الفجر وغيرهما. كما تميز السادات فى خطبه بالإلقاء السينمائى، وشاع عنه أنه الرئيس الذى يجيد فن التمثيل.
وحتى مبارك رغم ما عرف عنه من صلف، إلا أن البعض لا يعلم أنه كان مولعًا بالسينما، وأنه قام بالتمثيل مع كمال الشناوى وشادية، حيث قام بدور الطيار فى فيلم وداع فى الفجر.
إنها السينما التى سحرت الشعوب.. وأيضًا.. الحكام.