رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هنا كومباوندات.. وهنا تبرعات


تسير إحدى نجمات الفن أو الإعلام بخيلاء تتمخطر كأميرة من أميرات الحواديت، ترفل فى ثياب فاخرة وتشم عبر الشاشات رائحة العطر الذى يفوح منها، والذى تساوى الرشة منه عشرات ‏الدولارات، تتمخطر بالكعب العالى بين المروج والزهور والبحيرات فيروزية اللون والخضرة والوجوه الحسنة، وتحثك على التوجه وفورًا من فضلك حتى تلحق الحجز فى فيلا أو شقة فى هذا ‏المكان الرائع والهادئ لتتمتع بالهدوء والصحبة الجميلة مع الناس العليوى «اللى من توبك»، وفى المكان يا بختك كل ما تحتاجه بجوارك حمام السباحة، وملاعب الجولف والجيم لممارسة الرياضات ‏مختلفة الأنواع، والمول لشراء كل المستلزمات، ومدارس الأولاد والبنات، وأفخر المطاعم والكافيهات لقضاء أجمل وأحلى الأوقات.‏
فى ثانية، وبين طرفة عين وانتباهتها، نجد نفس النجمة (أو النجم) ترتدى ثيابًا عادية تشبه إلى حد ما الثياب التى ترتديها الطبقة الوسطى من الشعب، وتقف لتحثك على التبرع من أجل غذاء وعلاج ‏الشعب «الفقران الجعان العريان المرضان» الذى تسكن الملايين منه المناطق العشوائية والقرى البعيدة التى لا يسمع عنها أحد، بعض القرى والنجوع بلا مياه نظيفة تنزل من الحنفية، وبلا صرف ‏صحى، أو عشش بلا أسقف يحمى من برد ومطر الشتاء وحر وقيظ شمس الصيف يا ولداه.‏
كما يطالبوننا بالتبرع لجميع المستشفيات وجميع التخصصات من حروق وسرطان وقلب (موجوع بالهموم والأمراض)، وفى اللحظة نفسها وفى الوقت نفسه يقدم الفنانون المحبوبون والفنانات ‏المحبوبات مع نجوم الكرة المصرية، إعلانات تُنمّى النمط الاستهلاكى لدى الكبار والصغار، الأغنياء منهم والفقراء، وذلك من خلال الإعلانات التى تلح وتشجع على شراء كروت الموبايلات لمزيد ‏من المكالمات، وتضييع الأوقات ومد اليد فى الجيوب الخاوية لانتزاع مزيد من الجنيهات، لتمتلئ خزينة أصحاب شركات الاتصالات بالمليارات فى بلد يتسول التبرعات لملايين الأسر التى تعانى ‏الجوع والفقر والمرض وقلة الحيلة. وإذا كنا فى حاجة إلى كل هذه التبرعات، فكيف بعد لحظة من طلب التبرع تطلبون منا شراء السلع التى لا يستطيع ٩٠٪ من الشعب المصرى شراءها، ولا ‏يجرؤ على النظر إليها من بعيد؟! لماذا لا يقوم القادرون بدفع الضرائب أولًا والتى هى حق المجتمع وتعتمد عليها موازنة الدولة وميزانية الإنفاق الحكومى على الخدمات والمرافق، وأولها الصحة ‏والتعليم؟ لماذا لا يتبرع هؤلاء القادرون الذين يعيشون فى هذه الأماكن التى تشبه الجنة ونعيمها، ويطالبون الملايين من غير القادرين بالتبرع لاستكمال الدور الذى يجب على الدولة القيام به، بالإضافة ‏للضرائب التى يواظب على دفعها معظم الشعب الذى يقع تحت خط الفقر، ويعانى من ارتفاع الأسعار، بينما القلة من الشريحة «العليوى» الاحتكارية لا تفرض عليها الدولة ضرائب تصاعدية مثل ‏كل الدول حتى تتحقق العدالة الضريبية التى ينص عليها الدستور. هل تعلمون أن أحد كبار رجال الأعمال، وهو السيد محمد فريد خميس رئيس اتحاد جمعيات رجال الأعمال، طالب الدولة بحل ‏الأزمة الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق توزيع الأعباء على المواطنين، وبحيث لا تمس المواطن البسيط وذوى الدخل المحدود، وذلك بفرض الضريبة التصاعدية، بحيث تكون ٢٥٪ ‏على الدخول التى تزيد على ٥ ملايين جنيه فى العام، و٣٠٪ على الدخول التى تزيد على ٣٠ مليون جنيه سنويًا لمدة ثلاث سنوات، باعتبارها مساهمة فى بناء البنية الأساسية فى مصر، مع التزام ‏الحكومة وكل مؤسسات الدولة باستخدام المنتج المصرى، ومنع استيراد كل السلع التى لها بديل مصرى، وكذلك السلع الكمالية، وتحصيل الضرائب المتأخرة، والتعامل مع التهرب الضريبى بحزم ‏وجدية ومعاقبة المتهربين مع ترشيد الإنفاق الحكومى. ما طالب به السيد محمد فريد خميس منذ سنوات، لم تستجب له الدولة ولا حياة لمن تنادى، وكأن الدولة استمرأت تحميل أعباء الأزمة الاقتصادية ‏على المواطنين الغلابة، رغم أن فرض ضرائب تصاعدية على الدخول معمول به فى كل دول العالم، وتصل الضرائب فى بعض البلدان إلى أكثر من ٦٠٪.‏
بالتأكيد يا سادة يا كرام لا يوجد أحد ضد الدور المهم الذى تقوم به الجمعيات الأهلية والخيرية، ولكنه مجرد دور مكمل لدور الدولة الأساسى فى توفير احتياجات المواطنين الأساسية التى هى حق ‏لهم، بموجب الدستور.‏