رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطريق إلى «مان بوكر».. العجل.. وبطن أمه!


..ولأن رمضان كريم، فلا مانع من اللهو واللعب، وتقديم التهنئة للبولندية أولجا توكارتشوك، Olga Tokarczuk، لحصولها على جائزة «مان بوكر»، وتفوقها على منافسيها الخمسة الذين شاركوها القائمة القصيرة للجائزة: الفرنسية فيرجيني ديبانت، الكورية الجنوبية هان كانج، المجري لازلو كراسناهوركاي، الإسباني أنطونيو مونوز مولينا، والروائي العراقي أحمد سعداوي، أول عراقي وخامس روائي عربي يترشح للجائزة بعد نجيب محفوظ واللبنانيين أمين معلوف وهدى بركات والليبي إبراهيم الكوني. وهكذا تساوى عدد العرب مع عدد الإسرائيليين الذين وصلوا إلى القائمة القصيرة، بينما تقدم الإسرائيليون خطوة (أو نقطة) بحصول ديفيد جروسمان على الجائزة سنة ٢٠١٧.

مان بوكر، جائزة بريطانية قديمة، ومنذ سنة ٢٠٠٥، تم تخصيص جائزة دولية تحمل الاسم ذاته، تتنافس عليها روايات من مختلف أنحاء العالم صدرت بالإنجليزية أو تمت ترجمتها إليها. وتتجاوز قيمتها الـ٧٠ ألف دولار (بالضبط ٥٠ ألف جنيه إسترليني)، يتقاسمها المؤلف مع المترجم. وغير تساوي عدد العرب مجتمعين الذين وصلوا إلى قائمتها القصيرة مع عدد الإسرائيليين، فقد خسرها نجيب محفوظ، سنة ٢٠٠٥ لصالح الألباني إسماعيل قادري، وخسرها أمين معلوف وذهبت إلى الأمريكي فيليب روث، سنة ٢٠١١، وتجاوزت التركي أورهان باموق، صاحب نوبل لتذهب سنة ٢٠١٦ إلى الكورية الشمالية هان كانج. أما سعداوي الذي خسرها هذا العام، فقد فاز بالنسخة العربية من جائزة البوكر سنة ٢٠١٤ عن الرواية نفسها «فرانكشتاين في بغداد»، التي استلهمها، كما هو واضح من عنوانها، من رواية ماري شيلي الشهيرة «فرانكنشتاين».

البولندية أولجا توكارتشوك فازت، إذن، بالجائزة الدولية لهذا العام، عام ٢٠١٨، عن روايتها «رحلات»، Flights، التي صدرت باللغة البولندية سنة ٢٠٠٧ وحصلت عنها على جائزة محلية، سنة ٢٠٠٨. وربما يرجع الفارق الزمني إلى أن المذكورة لم تتجاوز حدود بلادها إلا سنة ٢٠١٤ أي بعد أن تعرضت لهجوم عنيف، داخل بولندا، بسبب روايتها «كتب يعقوب»، The Books of Jacob، التي تناولت فيها واحدًا من أسوأ (وأوسخ) الشخصيات التي عرفها تاريخ بولندا، بل تاريخ العالم. شخصية يانكيف ليبوفتش الذي صار معروفًا باسم «يعقوب فرانك»، وهو يهودي متطرف، جمع حوله مئات من البولنديين، وأوهمهم بعقيدة (هرطقة) لطيفة، وكانت دعوته تتلخص في أن الخلاص لا يتحقق إلا بارتكاب المعاصي والرذائل، لأن الإنسان لا يستطيع أن يسمو أو يرتقي (واخد بالك من يرتقي دي؟!) إلا إذا سقط أولًا في الخطيئة والرذيلة. وعليه، كان ينصح أتباعه بالانغماس في الرذائل والآثام واستباحة المحرمات حتى يحدث الخلاص ويعود المسيح (المخلّص).

المهم، هو أن البعيد كان «رِمّة»، ولك أن تتخيل كمية البلاوى التي ارتكبها هذا «الرمة» وأتباعه، وكيف كانت سببًا في احتقار الشعب لهم، قبل أن تكون سببًا في ضيق السلطات بهم ومطاردتها لهم، وفي تعاملها معهم بالصيغة التي تليق بالمجرمين. بما يعني أن الموضوع كان بعيدًا تمامًا عن الاضطهاد الديني أو العرقي، كما زعمت الأستاذة «توكارتشوك» التي أعادت «تأييف» وتكييف القصة، لتجعلها مدخلًا لانتقاد تعامل بولندا، تاريخيًا، مع المجموعات العرقية، ولاتهامها، أي اتهام بلدها، بأنها زيفت تاريخها وحذف كل الفظائع التي ارتكبتها مثل سحقها للأقليات، واليهود تحديدًا. وطبعًا، طالبت الأستاذة بضرورة إعادة كتابة تاريخ بولندا، دون تزييف أو تحريف ـ واخد بالك يا مليجي؟!- والأهم من ذلك، هو أنها ظهرت في لقاء تليفزيوني، أكتوبر ٢٠١٥، وانتقدت قتل بولندا والبولنديين لليهود خلال الحرب العالمية الثانية، وطالبت السلطات والشعب بالاعتذار عما وصفتها بـ«معسكرات الموت البولندية».

قامت الدنيا ولم تقعد، ضد تلك الاتهامات التي يراها البولنديون القوميون تزييفًا لتاريخهم ومحاولة لجعلهم يحاسبون على مشروبات (مشاريب)، سبق أن شاركوا اليهود في دفع ثمنها، وربما تحملوا النصيب الأكبر. وهاجم البعض الأستاذة «توكارتشوك» ورأوا أنها تريد مجاملة الإسرائيليين والأمريكيين على قفاهم (أقفيتهم). ومعروف أن بولندا ترفض استخدام توصيفات مثل «معسكرات الموت البولندية»، أو أي إشارة إلى أن الدولة البولندية أو البولنديين يتحملون المسئولية عن المعسكرات التي أدارتها ألمانيا النازية بعد غزو بولندا سنة ١٩٣٩. خاصة، في وجود أرقام تقول إن الحرب العالمية الثانية مات فيها نحو ثلاثة ملايين بولندي من غير اليهود كما قام النازيون بهدم العاصمة وارسو سنة ١٩٤٤ بعد انتفاضة فاشلة مات فيها وحدها أكثر من ٢٠٠ ألف مدني. كما أن المتحف التذكاري للمحرقة بالولايات المتحدة ذكر بوضوح أن النازيين قتلوا قرابة ٢ مليون مدني بولندي من غير اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.

مع ذلك، كان (ولا يزال) هناك إصرار عجيب من الإسرائيليين والأمريكيين على تحميل بولندا مسئولية المحرقة. ويبدو أنهم بدأوا يوزعون الإسكريبت على رجالهم، في تلك الفترة. وقد لا تكون صدفة أن يقوم غلمانهم بأشياء شبيهة هنا، في منطقتنا، كذلك «العجل» ذي الخوار، الذي يستميت في تجميل وجوه الصهاينة ويحاول غسل أيديهم من مجازر ارتكبوها. بالضبط، كما فعلت «توكارتشوك»، وكما فعل «جان توماس جروس» الذي ولد في بولندا، وهاجر إلى الولايات المتحدة سنة ١٩٦٨، وتركزت أبحاثه في جامعة برينستون حول المحرقة اليهودية، كتب مقالًا عنوانه «الأوروبيون الشرقيون لا يخجلون»، نشرته صحيفة «دي فيلت» الألمانية، في ١٣ سبتمبر ٢٠١٥، وصف البولنديين بـ«ذوي الدم البارد» وقال إنهم «بلا قلب، بشكل يتناسب مع الماضي الإجرامي لبلادهم». كما زعم أنهم «قتلوا من اليهود أكثر مما فعل الألمان خلال الحرب» العالمية الثانية». وادعى أن البولنديين «استفادوا من المحرقة عن طريق إخفاء اليهود مقابل المال أو ابتزازهم، أو حتى قتلهم من أجل الاستيلاء على ممتلكاتهم والحلول في مناصبهم الوظيفية». كما زعم أيضًا أن «معاداة السامية في بولندا بعد الحرب العالمية الثانية كانت أمرًا مقبولًا اجتماعيًا».

أرى علامات الدهشة ترتسم على وجهك بعد أن التقطت ذلك التشابه العجيب، والتزامن الغريب، بين هذا الاسكريبت وبين ذلك الذي يقوم أحد الكائنات بتنفيذه هنا. نعم.. نعم، هو ذلك «العجل»، بغباوته، ووجهه العكر. وما دام الشيء بالشيء يذكر أو لأن الكلام بـ«يجيب بعضه»، نشير إلى أن البرلمان البولندي، أصدر في ٦ فبراير الماضي، قانونًا جديدًا يعاقب بالسجن لمدة ثلاث سنوات «كل من يتهم علنًا الأمة البولندية، أو الدولة البولندية، بأنها مسئولة أو متواطئة في الجرائم النازية التي ارتكبها الرايخ الألماني الثالث». وقال رئيس الوزراء ماتيوش مورافيتسكي إن بولندا ملتزمة بمكافحة الأكاذيب حول المحرقة، وإن المعسكرات التي قتل فيها ملايين اليهود لم تكن بولندية، مؤكدًا أن هذه الحقيقة تحتاج إلى الحماية. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن هذا القانون أشعل خلافًا دبلوماسيًا بين الإسرائيليين وحكومة وارسو منذ بدء الإعلان عنه، إذ هاجمه رئيس الوزراء الإسرائيلي وزعم أنه محاولة لتغيير التاريخ وإنكار المحرقة. وقال أمام مجلس وزرائه «لن نقبل تحت أي ظرف من الظروف أي محاولة لإعادة كتابة التاريخ». كما طالبت وزارة الخارجية الأمريكية بولندا بإعادة النظر في مشروع القانون، وأعربت عن قلقها من عواقبه على العلاقات بين وارسو وواشنطن وتل أبيب!.

عادتهم ولن يشتروها، ولم يتوقفوا ولن يتوقفوا عن ابتزاز العالم، مستخدمين غلمانهم وعملاءهم. ولا يخجلون أحيانًا من دخول الملعب بأنفسهم. ولرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تخريفة طريفة «تموّت م الضحك» زعم فيها أن الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس في الأربعينيات، هو الذي أقنع أدولف هتلر بحرق اليهود. وبشحمه ولحمه، قال نتنياهو أمام المؤتمر الصهيوني العالمي، المنعقد في أكتوبر ٢٠١٥ إن هتلر أخبر الحسيني سنة ١٩٤١ بأنه يريد طرد اليهود من أوروبا، لكن الأخير اعترض ورد بأنهم سينتقلون إلى فلسطين. وحين سأله هتلر «وماذا ينبغي أن أفعل؟»، أجاب الحسيني بـ«أحرقوهم»!.

لو وجدت ذلك العجل ذا الخوار، والوجه العكر، أو أي عجل آخر، يقوم بترويج تلك الخزعبلات أو خزعبلات أخرى تشبهها، اعرف أنه لم يأت بها من بطنه، أو من بطن أمه، بل من كتالوج وضعه محترفون للطامعين بالـ«مان بوكر الدولية».. والحالمين بمن يحملهم على كفّيه، على كتفيه، (أو على حجره) إلى «نوبل» في الأدب.. أو في «قلة الأدب»!.